يتجوب عدة سنوات ؛ المتحدرون من آسيا الوسطى وقشغر يأتون عبر افغانستان وايران إلى بغداد أو دمشق حيث ينضمون إلى احدى قوافل الحجاج أو يمضون إلى القسطنطينية أو إلى أحد مرافئ آسيا الصغرى وسوريا لكي يركبوا هناك على البواخر التركية التي تحمل الحجاج ؛ وسكان الهند وافغانستان وايران يمضون عادة إلى بغداد أو البصرة ، وسكان افريقيا الشمالية يذهبون مع قوافل مواطنيهم الذين يسافرون برا عبر السويس والعقبة.
وجميع هؤلاء الحجاج المعدمين يعيشون في الطريق كله من جمع الحسنات بوجه الحصر ؛ وحين يصلون إلى مكة ، يقيمون عادة في الحرم أو مباشرة في الشوارع ، ويأكلون جزئيّا في التكيات ، وبصورة رئيسية من الحسنات من جديد ، ولذا تكون شوارع مكة على الدوام حافلة بهم طوال اليوم كله.
ومع سائر الحجاج ينطلقون إلى عرفات ويتوزعون هناك ، بعض تحت الجنبات ، وبعض تحت الصخور ، ثم يمضون إلى منى مدبرين أمورهم في هذه الأيام الثلاثة تحت صخور السفوح الجبلية المحيطة. وبعد حياة مديدة من الجوع ينقض هؤلاء الفقراء هنا بنهم على اللحم المجاني ويستغلون وفرته فلا يحاولون سد جوعهم بفيض وحسب ، بل يحضرون أيضا اللحم المجفف لأجل مواصلة السفر. وقد قال لي طبيب من الأطباء المحليين عاش طويلا في مكة وشهد كثرة من أوبئة الكوليرا في منى أن هذا الوباء يبدأ دائما ، حسب مراقباته ، من أمثال هؤلاء الحجاج الذين لا مأوى لهم ، رغم انه فسر السبب ، لا بالظروف التي يواجهونها ، بل بكونهم يرتدون البسة من قماش الأكياس التي ينقل بها
__________________
ـ XXVII (٢٧) ١٢ / ٣٤. النص الرسمي مع الختم «سري» نشر سنة ١٨٩٩ في بطرسبورغ في مطبعة هيئة الأركان العامة