بفضل وسائط المواصلات الحالية ، كنا بعد أسبوع في القسطنطينية. لن أصف القرن الذهبي والبوسفور وجمال وروعة ضواحيه العجيبة والمناظر من البحر إلى المدينة العالمية الجليلة. وقد ارجأت مشاهدة المدينة وطرائفها بصورة مفصلة إلى طريق العودة. والاحظ أن الحجاج في القسطنطينية يرون واجبهم الأول في زيارة ضريح أبي أيوب الأنصاري ، الشهير في تاريخ الإسلام ، ومن أخلص أصحاب النبي (صلىاللهعليهوسلم) [...].
ثم يزور المسافرون المسلمون المساجد ـ مسجد آيا صوفيا ، مساجد السلاطين : سليمان ، محمود ، أحمد ، سليم ، بايزيد ، وغيرهم ، وأخيرا يتسنى لبعض الحجاج فقط مشاهدة المتاحف والقصور ، الأمر الذي قمنا به في طريق العودة بفضل تلطف ياور البلاط العقيد صادق بك [...].
في ٢٩ آذار (مارس) كنا في بيروت حيث غادرنا باخرتنا «ناخيموف» لكي نسافر إلى دمشق. ومن بيروت إلى دمشق كان السفر يجري آنذاك في عربة كبيرة تجرها ستة بغال. أما الآن فقد بنيت هناك سكة حديدية. تعبر الطريق جبال لبنان ، بخط متعرج ، متلو ، أولا ٥٠ فرستا نزولا من الجبال ، ثم الجبال ، ثم ، بعد معبر عبر الجبال ، ٦٠ فرستا نزولا من الجبال ، ثم الفرستات ال ١٠ الباقية في وهدة ، على ضفة سيل مائي ، عابرة أياه غير مرة من ضفة إلى أخرى ...
أعظم طرائف دمشق جامع الأمويين القديم الباقي من حيث خطوطه الكبرى حتى أيامنا هذه. وهو يتميز بعظمته ومهابته الخارجية ، وروعة الزينات من الذهب والفيسفساء في الداخل ، وكبره الذي لا يصدق إذ يتسع ل ١٨ ألفا من المصلّين. وفوق الجامع تنتصب بضع منارات (١) رشيقة اسطوانية الشكل. وأحداها تعتبر الأهم ؛ عليها ، كما تقول
__________________
(*) المنارات في الكلام التركي جمع منارة ؛ وفي الشرق يمونها على الأغلب «مدينة» ـ