حتى يتعين أن تقف كل السلسلة السائرة وراءه. في اليوم الواحد كنا نقطع بالاجمال ٣٠ ـ ٣٥ فرستا ، لا اكثر.
في ٢٥ نيسان (ابريل) اقتربنا مساء مع غروب الشمس من المدينة المنورة ، أي من اقدم مراكز الإسلام. انتعشت القافلة. أشعل الجميع المصابيح والمشاعل وبدأ إطلاق النار من البنادق ، وانشد البعض أناشيد دينية ، وتلا آخرون غيبا آيات من القرآن الكريم ، وتنادوا بأصوات مدوية ، واطلقت النساء الهنديات والمصريات من الحلق ترانيم غريبة جدّا.
وعلى بعد ١٠ فرستات تقريبا من المدينة ، استقبلنا المسلمون المهاجرون الروس المقيمون هنا على الدوام. وفي الساعة الحادية عشرة كنا جالسين في صالون مواطننا اللطيف المضياف عبد الستار أفندي إلى سماور روسي يفح بمرح وإلى مآكل قومية متنوعة.
في صباح اليوم التالي صليت بدموع الفرح والحنان والرقة وبكل حرارة عند قبر محمد ، الذي كان في التاريخ العالمي كله الإنسان الوحيد الذي جمع في نفسه النبي والشاعر والحقوقي والمشترع والطبيب والخبير الصحي ومؤسس دين وامبراطورية ، وأضفى القوة والوحدة على جميع القبائل في الجزيرة العربية ومن خلالها على العديد من الشعوب الأخرى في آسيا وافريقيا وأوروبا ، ويتقيد بمذهبه وتعاليمه الآن أكثر من ثلث البشرية جمعاء [...].
عامل المدينة المنورة (١) عثمان باشا تحدر من روسيا ؛ فهو شركسي
__________________
(*) قبل هجرة النبي من مكة ، كان سكان يثرب يسمون مقامهم في أغلب الأحوال «بالمدينة» خلافا للضواحي. وأطلقوا على المدينة مع ضواحي اسم يثرب. وهذا الأسم الأخير تراجع مع مر الزمن. وأخذوا يسمون المدينة «بالمدينة» قاصدين «مدينة النبي».