وعلى بعد بضعة فرستات من المزدلفة تقع بلدة منى الصغيرة جدّا في واد بالاسم نفسه. هذا الوادي يحفل بالذكريات ؛ والمؤرخون المسلمون يذكرونه غير مرة. هنا ، كما يقال ، كان قبر آدم ، وهنا قدم قايين وهابيل الأضاحي ، وهنا ولدت هاجر أبنها إسماعيل في أحد الكهوف ، وهنا أراد إبراهيم أن يضحي بابنه ، ولكن الشيطان المتجسد بصورة شيخ مسن حال دون ذلك ، ولذا أخد البطريرك إبراهيم يرجمه بالحجارة. وهنا أخيرا أغرى الشيطان نفسه إسماعيل على الانتحار ، وقطع الطريق ثلاث مرات أمام إبراهيم وإسماعيل حين عادا من عرفات إلى مكة بعد أداء فريضة الحج ، الأمر الذي كان لا بد من أن يجازي عليه ؛ فإن النبيين ـ الأب والأبن ـ أخذا يرجمانه بالحجارة. ثم ، كما تقول الأسطورة ، راح إسماعيل طوعا واختيارا إلى المكان الذي كان يجب أن يضحي به فيه ولكن الشيطان إغراه ثلاث مرات محاولا أن يصرفه عن إطاعة والده وعن عزمه على التضحية بنفسه. ومكان كل من لقاءات إسماعيل الثلاثة هذه مع الشيطان معلّم بعمود حجري يرميه الحجاج (في غضون الأيام الثلاثة من الإقامة في منى) بالاحجار المجلوبة من المزدلفة تذكيرا بأن إسماعيل رد على إغراء الشيطان برميه بالاحجار (١).
في وادي منى توقفت قافلة الحجاج بأسرها لمدة ثلاثة أيام ، ما عدا الشيعيين الذين بقوا في عرفات ، وكانت تلك أكبر وقفة. هبت «السموم» ارتفعت الحرارة من ٢٧ درجة بمقياس ريومور إلى ٣٥ درجة في الظل بسرعة بالغة.
الوادي ـ والأصح القول ـ الفج ضيق جدّا ، ولذا تلامست خيام الحجاج المنصوبة وتماست تقريبا إحداها بالأخرى. والصخور العارية
__________________
(*) يضرب الحجاج الشيطان كما يلي. يضع الحاج حجرا صغيرا على ظفر ابهام اليد اليسرى وينقفه بأصابع اليد اليمنى.