حزيران (يوينو) وتوقفنا قرب جبال سيناء على بعد ١٢ ساعة في الطريق من مدينة السويس وبداية قناة السويس.
وقد تبين أن اختيار الباخرة «عبد القدير» لم يكن موفقا ؛ فقد صعد إلى متنها زهاء الفي راكب أي ما يوازي ضعفي ما يصح لها من حيث حجمها. ناهيك بانهم قبلوهم على متنها دون أي تميز ، سواء منهم الأصحاء أم المرضى الذين رفضت البواخر الأخرى قبولهم. وسرعان ما تكشفت عواقب ذلك ؛ فقد كان الضيق شديدا إلى حد أن ركاب الدرجة الثالثة كانوا ممددين حقا وفعلا مثل السمك في برميل ، بل أن كثيرين منهم حتى انولوهم في العنبر الذي نعته الركاب بجهنم نظرا للقيظ وكتمة الهواء اللذين لا يطاقان فيه. وبما انهم قبلوا على الباخرة ركابا مرضى ، فسرعان ما ظهرت الوفيات أثناء السفر من جدّة إلى سيناء رموا في البحر ٢٥ جثة ببركاب الموتى.
وقرب سيناء وجدنا أربع بواخر موقوفة بسبب الحجر الصحي. وكانوا قد انزلوا ركابها إلى الساحل ووزعوهم في الخيام بحيث أن ركاب كل باخرة شكلوا جماعة منفردة ، معزولة تماما عن الجماعات الأخرى ، علما بأن حراسا مسلحين كانوا يحافظون على هذه العزلة. أما نحن ، فقد بقينا طوال وقت الحجر الصحي على الباخرة ، ولم نشعر نحن شخصيا بمنغصات هذا الحجر الصحي [...].
كان للمحجر الصحي مستشفى ولكن المرضى راحوا إليه بأقصى المضض والنزعاج لأن الأطباء والخدم فيه عرب لا يفهمون لغات المرضى. وأثناء الحجر الصحي كان اليهود يستجلبون من مصر المأكولات ويبيعونها باسعار رابحة جدّا بالنسبة لهم : سعر رطل اللحم ٤٠ كوبيكا ، سعر الدجاجة روبل و ٢٠ كوبيكا وأغلى ، بينما سعر رطل اللحم في السويس ، على بعد ١٢ ساعة في الطريق ١٠ كوبيكات فقط ، وبينما شتى أصناف الدواجن ـ الدجاج ، الأرانب ، الحمام ـ إلّا أن