ثلاثة ارشينات فقط ، وعمقه زهاء نصف ارشين. مياهه تروي المحطة ، وحقل البرسيم ، ومزارع من القرع حقيرة المنظر ، ومزرعة قطن. وهو من الأنهر القليلة في الحجاز. ولكم طاب لي أن أرى في هذا البلد القائظ والصحراوي ، الخارق الجفاف ، نهرا ، وأن صغيرا ، نهرا حقيرا بالنسبة لي أنا الذي ترعرعت بين السيول الزرقاء والوبداء لنهر تشيرتشيك الذي يحتوي الذهب ، مع ضجته وهديره المستطاب على الاذن ، وجريانه وسط واد جميل ذي نباتات ساطعة وخضراء ... وحين وقفت على ضفة النهير الحجازي ، تذكرت عفو الخاطر مدينتي طشقند الغارقة في أخضر بساتينها الزمردي ، وقدّرت كل أهمية وفرة مياهها التي يقدمها تشيرتشيك الذي لا ينضب معينه ... ولكن خيل إلينا أننا فقدنا طشقند إلى الأبد ...
[...] وصلت قافلتنا إلى مكة في الثاني من أيار (مايو) عند طلوع الفجر. وعند دخول المدينة توقفت في ساحة كبيرة ؛ أما نحن ، فاننا لم نتوقف بل رحنا إلى شقتنا ؛ وقد قادونا إليها عبر المدينة كلها تقريبا. كان الجو لا يزال معتما ، وفي عتمة الفجر لم أستطع أن أرى شيئا بنحو جيد نوعا ما. كانوا يسوقون الجمال في شوارع ضيقة ومتعرجة. كانت تصعد تارة إلى جبل وطورا تنزل. على جانبي الطريق كانت تنتصب جدران وبيوت. في بعض الأماكن اصطدمنا بأناس نائمين في الشارع مباشرة. ولدن اقتراب جمالنا كان الناس شبه النيام يقفزون بذعر وينهضون على اقدامهم ويطلقون اللغط والضجيج والصياح ، ولكن الحراس السائرين ، شاهري البنادق على جانبي جمالنا كانوا سرعان ما يقطعون بنحو ما حبل الضجيج والصياح ، وكنا نواصل السير بهدوء حتى الكومة التالية من المشردين الذين اختاروا الشارع منامة لهم [...] وأخيرا توقفت الجمال قرب بيت من طابقين كان يعيش فيه أحد معارفنا التر ، المدعو عبد الرحمن سلطانوف الذي انتقل من طشقند إلى السكن في مكة. استقبلني قرب بوابة البيت. وكان معه الدليل محمد علي الذي استقبلنا في حدّة وسبقنا.