أستطع أن أفهم السبب ، ولكن بوسعي أن اؤكد أن الحصان في مكة ظاهرة نادرة جدّا. كذلك لا وجود البتة للإنارة في الليالي في شوارع المدينة. وفي البيوت يلجأون إلى الإنارة بالكاز بواسطة القناديل الإنجليزية والكاز الأميركي.
يبلغ عدد السكان الدائمين في مكة زهاء ثلاثين ألف نسمة. والرياش في البيوت بسيطة جدّا على العموم. ولا وجود تقريبا للمفروشات في الغرف ؛ والعرب بمعظمهم يجلسون ويتمددون على الأرضية ، مثلهم مثل جميع الشعوب الشرقية. ولا يملكون البتة تقريبا اقتصادا منزليّا إذ يشترون من السوف جميع المؤن. ولهذا السبب توجد في المدينة كثرة كثيرة من المقاهي ودكاكين المأكولات والمخابز.
وفي مكة يعيش عدد كبير نسبيّا من مواطنينا من آسيا الوسطى. وهم يمارسون مختلف الحرف ولا يفكرون في العودة إلى الوطن.
وعلى العموم يعيش سكان المدينة بدون ملل كبير. ففي الأعياد ، وفي أثناء صيام رمضان ، وعيد الأضحى ، وغير ذلك من المناسبات ، تقام نزهات واحتفالات شعبية كبيرة مرفقة بالاراجيح ورقصات الرجال من سرادق خاصة. وأثناء الاحتفالات الشعبية تقام المقاهي ودكاكين واكشاك المأكولات وتباع شتى الخردوات وشتى النوافه واللعبات لأجل الأطفال ؛ خلاصة القول انه يقام بازار عيدي. وفي هذه النزهات والاحتفالات تتجمع على الأغلب النساء والاولاد في ألبسة مبرقشة ولامعة. وعلة الخصوص تنذهل العين غير المعتادة من ألبسة الأولاد الغريبة من الديباج والشاش. وهم مزينون من الرأس حتى القدمين بشتى العقود ، والنقود المعدنية الفضية ، ومختلف التفائه. وهذه ضرب من حفلات راقصة مقنعة للأولاد مقامة في الهواء الطلق ... صحيح أن النساء يحجبن وجوههن ، ولكنهن يتنزهن بكل حرية ، ويتنادين بأصوات مدوية في الجموع ، ويتحادثن ، ويضحكن. ووحدهن حصرا يركبن المراجيح.