وأمام الضابط المسلم الشاب الذي امتلك في نهاية التعليم ناصية اللغات العربية والتركية والفارسية والانجليزية والفرنسية ، ناهيك عن لغته القومية واللغة الروسية ، انفتحت آفاق رائعة أمامه للترقي في الميدان العسكري والديبلوماسي الروسي. ولكن دولتشين ، بحكم طبعه ، لم يسع وراء الوظائف العالية. فإن هذا الضابط الهادئ ، المتوازن ، الرصين ، العملي ، وحتى المتحذلق نوعا ما ، الذي لا يتميز بالغرور راح بهدوء من بطرسبورغ إلى وظيفة غير كبيرة في أعماق آسيا الوسطى ، في ناحية قره قلعة ، غير البعيدة عن عشق آباد. وأثناء إقامته هناك سبع سنوات ، تفهّم جيدا القضايا التي تشغل بال الناس القاطنين في الأراضي الخاضعة لادارته ، وامتلك ناصية اللهجات المحلية ، ودرس اخلاق السكان المحليين وطبائعهم وعاداتهم وفولكلورهم. وبحكم عمله ، تقابل غير مرة مع رئيس مقاطعة ما وراء قزوين أ. ن. كوروباتكين الذي سرعان ما صار وزيرا للحربية. وقدّر كوروباتكين كفاءة النقيب المسلم. وهناك جملة من الوقائع توحي بانه نشأت بينهما علاقات صداقة ؛ وعندما وردت مسألة ضرورة ترشيح ضابط في الجيش الروسي لأداء فريضة الحج وتفهم ما إذا كانت هذه الممارسة تشكل خطرا على مصالح روسيا العسكرية والسياسية في الشرق ، تذكره كوروباتكين.
حالف الترشيح أقصى التوفيق. فبما أن دولتشين كان مسلما ، فقد اعتبر إمكانية إداء فريضة الحج كمنحة من القدر ، ومهمة المأمورية كفرصة لمساعدة الآلاف من اخوانه في الإيمان ، من المسلمين من رعايا روسيا ، مساعدة فعلية من إداء فريضة الحج ، الأمر الرئيسي على الأغلب في الحياة الروحية لكثيرين منهم ، وادائها في ظروف وشروط لائقة بالبشر. ومع ذلك ظل من رعايا الامبراطورية الاوفياء كليّا ، ظل مخلصا لقسم الضابط. وعن حق وصواب اعتبر تلبية الحقوق المشروعة لأبناء دينه في اداء فريضة الحج انعكاسا لعناية الدولة برعاياها ، الأمر الذي يوطد الدولة نفسها في آخر المطاف.