المركبان ضرب كلّ واحد طبله وسلّم بعضهم على بعض ، وأمر السلطان فخر الدين المذكور أن لا يوخذ بذلك النهر من الفقراء نول ، وأن يعطي الزاد لمن لا زاد له منهم وإذا وصل الفقير إلى مدينة أعطى نصف دينار.
وبعد خمسة عشر يوما من سفرنا في النّهر كما ذكرناه وصلنا إلى مدينة سنركاوان(٣١٥)، وسنر بضم السين المهمل والنون وسكون الراء ، وهي المدينة التي قبض أهلها على الفقير شيدا عندما لجأ إليها ، ولما وصلناها وجدنا بها جنكا يريد السّفر إلى بلاد الجاوة(٣١٦)،وبينهما أربعون ويوما ، فركبنا فيه ، ووصلنا بعد خمسة عشر يوما إلى بلاد البرهنكار (٣١٧)، الذين أفواههم كأفواه الكلاب ، وضبطها بفتح الباء الموحدة والراء والنون والكاف وسكون الهاء ، وهذه الطائفة من الهمج لا يرجعون إلى دين الهنود ولا إلى غيره ، وسكناهم في بيوت قصب مسقّفة بحشيش الأرض على شاطىء البحر ، وعندهم من أشجار الموز والفوفل والتنبول كثير.
ورجالهم على مثل صوّرنا الا أن أفواههم كأفواه الكلاب! وأما نساؤهم فلسن كذلك ولهن جمال بارع ورجالهم عرايا لا يستترون إلا أن الواحد منهم يجعل ذكره وأنثييه في جعبة من القصب منقوشة معلقة من بطنه ، ويستتر نساؤهم بأوراق الشجر ، ومعهم جماعة من المسلمين من أهل بنجالة ، والجاوة ساكنون في حارة على حدة ، أخبرونا أنهم يتناكحون كالبهائم لا يستترون بذلك ، ويكون للرجل منهم ثلاثون امرأة فما دون ذلك أو فوقه (٣١٨) ، وأنهم لا يزنون وإذا زنا أحد منهم فحدّ الرجل أن يصلب حتى يموت! أو ياتي صاحبه أو عبده فيصلب عوضا منه ويسرح هو ، وحدّ المرأة أن يامر السلطان جميع خدامه فينكحونها واحدا بعد واحد بحضرته، حتى تموت ويرمون بها في البحر! ولأجل ذلك لا يتركون أحدا
__________________
(٣١٥) حول سنركاوان أنظر التعليق السابق رقم ٣٠٧.
(٣١٦) ليس القصد إلى جاوة ولكن إلى سومطرة كما هو الغالب في الاستعمال الجغرافي العربي أما جاوة فهي التي عبّر عنها بمل جاوة ـ Beckingham IVP.٣٧٨ N ٨١٠.
(٣١٧) البره نكار (Barah Nakar) من الجائز أن يكون القصد إلى جزر أندامان (Andaman) نيكوبارNicobar فهاته الجزر هي الرئيسية في أراكان (ARAKAN) التابعة لبورما على مقربة من أو جزيرة نيگري Negarais بيدان كلام ابن بطوطة يفهم منه أن البره نكار اسم لشعب وليس اسما لموقع جغرافي كما يعتقده كثير من المعلقين.
GIbb Selec ٧٦٣ ـ Becknham p : ٤٧٨ Not ١.
(٣١٨) في حديثه عن المنطقة قال الادريسي (ق ١ ص ٧٨) «... واذا أراد الرجل أن يتزوج امرأة لم يزوجها له أهلها حتى يقتل رجلا وياتي يقحف رأسه ...! ولو قتل خمسين رجلا زوج خمسين امرأة وشهد له أهل بلده بالبأس والنجدة ... وهم عراة لا يستترون ... وكذلك نساؤهم ... وهم لا يستترون في النكاح بل ياتونه جهارا ولا يرون بذلك بأسا وهؤلاء قوم مناكير الوجوه ... مشوهون جدّا ...