جعفر بن خطيبها وليّ الله تعالى أبا عبد الله الطنجالي (٣١) قاعدا بالجامع الأعظم ، ومعه الفقهاء ووجوه الناس يجمعون مالا برسم فداء الأساري الذين تقدم ذكرهم ، فقلت له : الحمد لله الذي عافاني ولم يجعلني منهم! وأخبرته بما اتفق لي بعدهم ، فعجب من ذلك ، وبعث إلي بالضيافة رحمهالله وأضافني أيضا خطيبها أبو عبد الله الساحلي المعروف بالمعمّم (٣١).
ثم سافرت منها إلى مدينة بلش (٣٣) وبينهما أربعة وعشرون ميلا ، وهي مدينة حسنة بها مسجد عجيب ، وفيها العناب والفواكه والتين كمثل ما بمالقة ، ثم سافرنا منها (٣٤) إلى الحمّة وهي بلدة صغيرة لها مسجد بديع الوضع عجيب البناء وبها العين الحارة على ضفة واديها ، وبينها وبين البلد ميل أو نحوه ، وهنالك بيت لاستحمام الرجال وبيت لاستحمام النساء.
ثم سافرت منها إلى مدينة غرناطة قاعدة بلاد الاندلس ، وعروس مدنها ، وخارجها لا نظير له في بلاد الدنيا ، وهو مسيرة أربعين ميلا يخترقه نهر شنيل (٣٥) وسواه من الأنهار الكثيرة والبساتين والجنّات والرياضات والقصور والكروم محدقة بها من كل جهة ، ومن عجيب مواضعها عين (٣٦) الدمع وهو جبل فيه الرياضات والبساتين ، لا مثل له بسواها.
__________________
(٣١) الطّنجالي والقصد إلى أحمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف ... الهاشمي الطنجالي من أهل مالقة ... أخذ عن أبيه وعن مالك بن المرحل واجاز له جده أبو جعفر ... كان قديم العدالة كثير الحياء ، أدركه أجله في شوال ٧٦٤ ـ ١٣٦٣ ـ الدرر ٢٩١,l.
(٣٢) الساحلي أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن ابراهيم الانصاري الساحلي ... كان طبقة من طبقات الكفاة ظرفا ورواء وعارضة وترتيبا تجلّل بفضل شهرة أبيه الذي كان سفيرا في بعض الظروف ، وبعض المخطوطات تنعته بالمعمّر بدل المعمم وهو غير صواب أدركه أجله بمالقة ليلة النصف من شعبان ٥٤ ـ ٧ ـ ١٣٥٣ الاحاطة ج ٣ ص ١٩١ ـ ١٩٢.
(٣٣) بلّش Velez ، القصد إلى بلّش مالقة ، ويقع في شرقها على بعد ٢٤ ميلا.
(٣٤) ورد ذكر هذه الحمّة كثيرا في المصادر التي تحدثت عن المنطقة ، وخاصة منها نزهة الإدريسي ومسالك الأبصار للعمري معاصر ابن بطوطة الذي أدى عنها وصفا دقيقا ... ومن تلك المصادر مخطوطة (الروض الباسم) في حوادث العمر والتراجم تأليف الشيخ عبد الباسط بن خليل الحنفي الملطي القاهري المتوفى ٩٢٠ ـ ١٥١٤ ورقة ١١٢ ب وقفت عليها في حاضرة الفاتيكان رقم ٧٢٩arabe وكتب عنها المستشرق روبير برونشفيك ٦٣٩١ (larose editeurs).
(٣٥) أطنب محمد بن عبد الوهاب الغسّاني سفير السلطان مولاي اسماعيل لدى الملك گارلوص الثاني ١١٠٢ ـ ١٦٩٠ في وصف شنيل ... وقد ذكّره سحر هذا النهر الذي ينحدر من وادي آش فيما قالته حمدة الشاعرة الأندلسية الوادي آشية:
أباح الدمع أسراري بواد |
|
له في الحسن" آثار" بوادي! |
(٣٦) عين الدّمع بقعة من ضواحي غرناطة كانت منتزها بديعا اذ كانت تغص بالمروج والحدائق الغنّاء ، وقد استمرت تحتفظ ببقية من سحرها القديم ... ويشغل موقعها سطح تلال البيازين التي تطل على المرج وكانت تسمى عين الدّمعة ويقال إن آخر ملوك غرناطة ذرفت دموعه وهو يودعها! وقد تحرف هذا الاسم عند الاسبان إلى (Dinamar) ، وقد ورد ذكر (عين الدمع) في شعر كثير نذكر منه قول أبي البركات ابن الحاج البلفيقي وهو من شيوخ ابن الخطيب :
الأقل لعين الدمع يهمي بمقلتي+ لفرقة عين الدمع وقفا على الدّم!
وقد ظهرت عين الدمع في خريطة بني نصر بغرناطة انظر الصورة ٣ من كتاب
Rachel Arie : l\'Espagne musulmane au Paris ٣٩٩١ Temps de Nasrides.