مخطوط بيسير عسل أو لبن (١٠٩) ، وهم يشربونه عوض الماء لانهم إن شربوا الماء خالصا أضرّ بهم ، وإن لم يجدوا الذّرة خلطوه بالعسل أو اللبن ، ثم أتى ببطيخ أخضر فأكلنا منه ، ودخل غلام خماسي (١١٠) فدعاه ، وقال لي : هذا ضيافتك ، واحفظه لئيلّا يفر! فأخذته وأردت الانصراف ، فقال : أقم حتى ياتي الطعام ، وجاءت إلينا جارية له دمشقية عربية (١١١) ، فكلمتني بالعربي ، فبينما نحن في ذلك سمعنا صراخا بداره ، فوجه الجارية لتعرف خبر ذلك فعادت إليه فأعلمته أن بنتا له قد توفيت! فقال : إني لا أحب البكاء! فتعال نمشي إلى البحر! يعني النيل ، وله على الساحل ديار ، فأتى بالفرس فقال لي : اركب ، فقلت : لا أركبه وأنت ماش! فمشينا جميعا ، ووصلنا إلى دياره على النّيل وأتي بالطعام فأكلنا ووادعته وانصرفت ولم أر في السودان أكرم منه ولا أفضل ، والغلام الذي أعطانيه باق عندي إلى الآن.
ثم سرت إلى مدينة كوكو (١١٢) وهي مدينة كبيرة على النيل من أحسن مدن السودان وأكبرها وأخصبها ، فيها الأرز الكثير واللبن والدجاج والسمك ، وبها الفقّوص العناني الذي لا نظير (١١٣) له ، وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع ، وكذلك اهل مالّي ، وأقمت بها نحو شهر وأضافني بها محمد بن عمر من أهل مكناسة ، وكان ظريفا مزّاحا فاضلا وتوفّى بها
__________________
(١٠٩) الدقنو هو الذي سمّاه كايّي باسم الدخنو ، ويقول عنه أنه خليط من دقيق أنلي مع العسل يشربونه.
RENE CAILLE : VOYAGE A TOMBOUCTON, ٠٣٨١
(١١٠) غلام خماسي : العبارة تعني أنه من خمسة أشبار أي إنه بلغ سن الرشد.
Cuoq : Recueil p. ٦١٣ ـ Note l.
(١١١) يظهر أنّ هذه الجارية اقتنيت من مصر أثناء موسم حج ، ونحن نعلم أن منسى موسى حصل على بعض المرتزقة الترك من القاهرة على ما يفهم من العمري ، وسنرى أن ابن بطوطة سيذكّر بأن أهل مالي وايولّاتن وتكدّا يعتزون بامتلاك الجواري «ولا يبيعون المعلّمات منهن إلا نادرا وبالثمن الكثير» فلعل هذه الجارية من هؤلاء ـ وقد ذكر المقريزي أن اهل السودان جرت عادتهم على اقتناء الجواري من الشرق أثناء قيامهم مناسك الحج ـ Ouoq : P.٦١٣ N ٠ ٢
(١١٢) گوگو بالكاف المصرية : Gao على نهر النيجر شرقي تنبكتو كانت نقطة الانطلاق بالنسبة للطّريق التجاري عبر الصحراء ومن المفيد أن نذكّر بأن كوكو كانت في القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي كانت عاصمة امبراطور سنغاي عند اعتناقها الإسلام ، وقد ألحقت سنغاي هذه بما لي من لدن السلطان منسى موسى عام ٧٢٥ ـ ١٣٢٥ ولكن ، عند عام ٧٥٩ ـ ١٣٣٥ استقرت كدولة تحت عنوان (سنّي) وهو اللقب الذي لازمها إلى أيام سنّي على ١٤٦٥ ـ ٩٢ آخر حاكم من أصل بربري ، وقد عرف كيف يوسع مملكته «وقد عوض من لدن الجنرال محمد سونينك ٩٥٥١ ٣٩٤١ SONINKE ويعتبر مؤسسا لدولة عسكية التي سنرى أن نهايتها كانت عام ١٥٩١ على يد ملوك المغرب ..Gibb : selections ,P.٢٨٣
(١١٣) تبع گيب الترجمة الفرنسية في ترجمتها لكلمة الفقوص ... (Cucumber) ، أما موني (Mauny) فقد ترجمها بالبطيخ Melon والكل ترك كلمة عناني بدون ترجمة وكأنها اسم لنوع من الانواع ، ويقترح دوزي أن تقرأ الكلمة هكذا (عتابي) وهو اسم لنوع من هذه الخضراوت يشبه البطيخ ...
Beckingham P. ١٧٩ n ٠ ٦٨.