كاران والإصباهية وهم الرّماة والپيادة ، وهم الرّجّال (٨٤) ، وجميعهم عبيد السلطان ، ولا يسكن معهم سواهم ، وعددهم كثير.
وهذه المدينة على ساحل النّهر الأعظم بتنا بها ليلة في ضيافة أميرها ، وجهّز لنا الأمير قرطى مركبا ، بما يحتاج اليه من زاد وسواه ، وبعث معنا أصحابه برسم التّضييف ، وسافرنا من هذه المدينة ، وهي آخر أعمال الصين ، ودخلنا إلى بلاد الخطا (٨٥) ، بكسر الخاء المعجم وطاء مهمل وهي أحسن بلاد الدنيا عمارة ، ولا يكون في جميعها موضع غير معمور فإنه إن بقى موضع غير معمور طلب أهله أو من يواليهم بخراجه ، والبساتين والقرى والمزارع منتظمة بجانبي هذا النهر من مدينة الخنسا إلى مدينة خان بالق ، وذلك مسيرة أربعة وستين يوما ، وليس بها أحد من المسلمين إلا من كان خاطرا غير مقيم ، لأنها ليست بدار مقام ، وليس بها مدينة مجتمعة (٨٦) ، وإنما هي قرى وبسائط فيها الزرع والفواكه والسكر ، ولم أر في الدنيا مثلها غير مسيرة أربعة أيام من الأنبار إلى عانة. وكنا كلّ ليلة ننزل بالقرى لأجل الضيافة حتى وصلنا إلى مدينة خان بالق ، وضبط اسمها بخاء معجم والف ونون مسكن وباء معقودة وألف ولام مكسور وقاف ، وتسمى أيضا خانقو (٨٧) ، بخاء معجم ونون مكسور وقاف وواو ، وهي حضرة القان ، والقان هو سلطانهم الأعظم الذي مملكته بلاد الصين والخطا ، ولما وصلنا إليها أرسينا على عشرة أميال منها على العادة عندهم ، وكتب إلى أمراء البحر
__________________
(٨٤) يلاحظ أن كل هذه المفردات ليست صينية ولكنها فارسية : كشتي بانان ، دودگاران ، وإصباهية وپيااده ، وهذا ما يؤكد هيمنة الفرس على الشارع الصيني ... كما يلاحظ أن ترجمه ابن بطوطة لهذه الكلمات في محلّها ومع هذا فإن من المفيد أن نعرف أن الضرب بالرمح أهم عنصر في الحياة الحربية بالنسبة للمغول والترك .. وقد علق البروفيسور فرانك على باب المدينة البحرية بما يفيد أن ابن بطوطة يستأثر بهذه المعلومات.
Beckingham P. ٥٠٢ N ٠ ٥٥.
(٨٥) الخطا شمال الصين ، ويذكر أن الصين في القرن العاشر للميلاد كانت موزعة على قسمين : الجنوب الذي كان يحكم، ابتداء من الخنساءHang ـ Zhou ، من لدن دولة سونك (Sung) ، والقسم الثاني الشمال المحكوم على التوالي من لدن ليا وLiao ثم دولة الصّين وقد اتمّ المغول احتلالهم للصّين عام ١٢٣٤ ولدولة سونگ عام ١٢٧٩ ـ وعن استعمال ابن بطوطة لكلمة الصّين نلاحظ أنه أحيانا يقصد بها الامبراطورية الصينية كلّها وأحيانا يقصد إلى الجنوب فقط.
(٨٦) كانت حكاية ابن بطوطة المتعلقة بعدم وجود أية مدينة على طول ضفاف هذا النهر من مدينة الخنسا (Hang ـ Zhau) إلى يكين على مدّة ٦٤ يوما ... كانت مدعاة للشك من قبل بعض المعلّقين وكأنهم يحكمون بالحاضر على ما كان في الغابر!!
(٨٧) ورد في الرسالة التي توصلنا بها من المركز الوطني الصيني للخرائط أن خان بالق هو بالذات بيكين واصل الكلمة (هانبلي) وهو الاسم التاريخي لبكين في القرن الرابع عشر ... هذا ولا أدري عن صلة كلمة خانقو بكلمة خانفو التي وردت في أخبار الصين والهند التي جمعت سنة ٢٣٧ يراجع التعليق رقم ٣٦ ـ اما الأنبار وعانة فمدينتان على نهر الفرات بينهما نحو ١٢٠ ميلا ...