ثم سافرنا منها فبينما نحن بقرب أزغنغان (٩٩) خرج علينا خمسون راجلا وفارسان ، وكان معي الحاج بن قريعات الطنجي وأخوه محمد المستشهد بعد ذلك في البحر (١٠٠) ، فعزمنا على قتالهم ورفعنا علما ثمّ سالمونا وسالمناهم ، والحمد لله.
ووصلت إلى مدينة تازى (١٠١) وبها تعرفت خبر موت والدتي بالوباء رحمها الله تعالى.
ثم سافرت عن تازى فوصلت يوم الجمعة في أواخر شهر شعبان المكرم من عام خمسين وسبعمائة إلى حضرة فاس فمثلت بين يدي مولانا الاعظم الامام الاكرم أمير المومنين المتوكل على رب العالمين أبي عنان (١٠٢) وصل الله علوّه وكبت عدوه ، فأنستني هيبته هيبة سلطان العراق ، وحسنه حسن ملك الهند ، وحسن اخلاقه حسن خلق ملك اليمن ، وشجاعته شجاعة ملك التّرك ، وحلمه حلم ملك الروم ، وديانته ديانة ملك تركستان ، وعلمه علم ملك الجاوة.
وكان بين يديه وزيره الفاضل ذو المكارم الشهيرة والمآثر أبو زيان ابن ودرار (١٠٣) ، فسألني عن الديار المصرية ، إذ كان قد وصل اليها ، فأجبته عما سأل ، وغمرني من إحسان مولانا أيده الله تعالى ما أعجزني شكره ، والله وليّ مكافأته.
__________________
(٩٩) أزغنغان : ورد في (وصف افريقيا) لابن الوزّان ان آيت أزغنغان قبيلة بربرية استقرت قريبا من الشاطئ بين مليلية ونهر ملوية. يلاحظ أن ابن بطوطة لم يحرك كلمة أزغنغان على ما جرت به عادته ... تقع على بعد ١٥ ك. م. جنوب مليلية. ذ التازي : نصيب الأعلام الجغرافية المغربية في رحلة ابن بطوطة ، بحث ألقيته في ندوة تاريخ الرباط ، نونبر ١٩٩٥.
(١٠٠) لم أقف على تعريف لهذين الشخصين اللذين ينتميان إلى أسرة ابن قريعات ... ولم ندر عمّا يقصده بالاستشهاد في البحر.
(١٠١) تازة أو تازى مدينة شرقي فاس على بعد نحو من ١٢٨ ك. م يصلها بالبحر المتوسط طريق معبد يخترق جبال گزنّاية ... مدينة من تاسيس المغاربة في القديم ، كانت قاعدة مكناسة الشهيرة ... وقد اتخذ الفاتحون المسلمون منها حصنا يحمي ظهرهم وينطلقون منه لأداء مهمتهم. كانت ولايتها من نصيب الامام داود بن ادريس عند تقسيم المملكة بين بني ادريس. وكانت محل تنافس بين الدول المتعاقبة على الحكم بالمنطقة. وقد نالت أيام بني مرين عناية فائقة فبنيت بها دار للامارة ، وتعتبر تالثة مدينة في المغرب تستحق أن تكون عاصمة كما يقول ابن الوزان ولما ظهرت الدولة العلوية بالمغرب استقر بها السلطان مولاي الرشيد في أيامه الأولى وبها عقد اول اتفاقية له مع فرنسا ... وقد انتسب لهذه المدينة عدد من رجالات المغرب منهم القضاة والعلماء والأطباء والأدباء والسفراء ، والوزراء والأولياء ... التازي : رسائل مخزنية ١٩٧٩.
(١٠٢) يلاحظ أن ابن بطوطة بمجرد ما وصل لفاس (٦ نونبر ١٩٤٩) وهي تحتفل بشعبانة مثل بين يدي السلطات أبي عنان : (وصلت فمثلت) الذي كان آنذاك قد استقر بمدينة فاس ، بينما كان والده أبو الحسن ما يزال موجودا بتونس ...
(١٠٣) فارس بن ميمون ابن ودرار الحشمي ـ وليس ابن وردار ـ شخصية سياسية هامة على العهد المريني ، وقد تقدم التعريف به في المقدمة كشخصية يرجع لها الفضل في إنقاذ الرحلة من الضياع. ابن الأحمر : روضة النسرين المطبعية الملكية ١٩٩١ ص ٣٩.