المؤمنين وناصر الدين المتوكّل على رب العالمين (١٣٣) أمرا لي بالوصول إلى حضرته العلية فقبّلته ، وأمتثلته على الفور ، واشتريت جملين لركوبي بسبعة وثلاثين مثقالا وثلث ، وقصدت السّفر إلى توات (١٣٤) ، ورفعت زاد سبعين ليلة إذ لا يوجد الطعام فيما بين تكدا وتوات ، إنما يوجد اللحم واللبن والسمن يشتري بالأثواب ، وخرجت من تكدّا يوم الخميس الحادي عشر لشعبان سنة أربع وخمسين (١٣٥) في رفقة كبيرة فيهم جعفر التواتي ، وهو من الفضلاء ، ومعنا الفقيه محمد بن عبد الله قاضي تكدّا ، وفي الرفقة نحو ستمائة خادم (١٣٦) فوصلنا إلى كاهر من بلاد السلطان الكركرى ، وهي أرض كثيرة الأعشاب يشتري بها الناس من برابرها الغنم ويقدّدون لحمها ويحمله أهل توات إلى بلادهم.
ودخلنا منها إلى برية لا عمارة بها ولا ماء ، وهي مسيرة ثلاثة أيام ، ثم سرنا بعد ذلك خمسة عشر يوما في بريّة لا عمارة بها إلا أن بها الماء ، ووصلنا إلى الموضع (١٣٧) الذي يفترق به طريق غات الآخذ إلى ديار مصر ، وطريق توات ، وهنالك أحساء ماء يجري على الحديد، فإذا غسل به الثوب الأبيض اسودّ لونه! وسرنا من هنالك عشرة أيام ووصلنا إلى بلاد هكّار (١٣٨) ، وهم طائفة من البربر ملثمون لا خير عندهم ، ولقينا أحد كبرائهم فحبس القافلة حتى غرموا له أثوابا وسواها! وكان وصولنا إلى بلادهم في شهر رمضان ، وهم لا يغيرون فيه ولا يعترضون القوافل ، واذا وجد سرّاقها المتاع بالطريق في رمضان لم يعرضوا له ، وكذلك جميع من بهذه الطريق من البرابر.
__________________
(١٣٣) القصد إلى السلطان أبي عنان ، وهذه لقطة أيضا هامة حول صلة ابن بطوطة بالبلاط المريني ، وهكذا فبعد أن كان التحق بالعاهل المذكور وهو بمراكش وصحبه إلى شالة يحتمل شلو أبيه على ما تقدم ... نراه اليوم يتلقّى يريدا خاصّا من السلطان المذكور يطلبه للالتحاق بفاس التي كانت أنذاك تزخر بالعلماء ورجال الفكر ـ اللقطة تعبّر من جهة أخرى عن نشاط حركة البريد بين المملكة المغربية وباقي الممالك الافريقية المجاورة ... ومع الاسف فإن ابن بطوطة لم يسجل لنا نص الامر الذي وصله من ملكه ... وهذا مما يندرج عندي في موضوع إهمال المغاربة لتاريخهم ...
(١٣٤) تقع توات في الشمال الغربي لاقليم الصحراء ، يراجع تقييد ما اشتمل عليه إقليم توات من الايالة السعيدة من القصور ١٣٨١ ـ ١٩٦٢ المطبعة الملكية ـ الرباط.
(١٣٥) هذا التاريخ يوافق ١٢ شتنبر ١٣٥٣.
(١٣٦) يلاحظ أن المترجمين الناشرين تصرفا في الترجمة على نحو يجعل الستمائة خادم جميعا جواري وتبعهما الأب كيوك (Cuoq) في تأليفه (Recueil ـ ـ ـ) ص ٣٢١ كما تبعهم بيكينگام ... فهل لم يكن بين هؤلاء الخوادم ذكور؟ هذا والقصد بالكاهر إلى إير ـ أيار سالف الذكر.
(١٣٧) يمكن أن يكون القصد إلى الموضع الذي هو مفترق الطرق :(AZAWA) أو (ASIU) في أقصى جنوب شرق الجزائر حيث تذهب الطرق من جهة نحو جاني (Djanet) (وليست هي جناتة!) ومن جهة نحو غات والصحراء الليبية ـ يلاحظ الاحتفاظ بالقافلة مجتمعة بالنظر لتلك الثروة المتجلية في ٦٠٠ خادم التي تصحب القافلة ، وكل ذلك يمكن أن يفسر السرّ في تلك اللفّة من جهة الشرق ـ تجنّبا لطريق قد يكون محفوفا بالاخطار ...
(١٣٨) الهگار القصد إلى رجال التوارگة ... لقيهم ابن بطوطة طوال شهر رمضان ـ ٣٠ ـ ٢٩ أكتوبر ١٣٥٣.