حكاية [نذر الخطيب]
وصنع الخطيب عز الدين يوما دعوة ودعاني فيمن دعاه إليها ، فسألته عن سببها؟ فأخبرني انه نذر أيام الوباء أنه إن ارتفع ذلك ومرّ عليه يوم لا يصلي فيه على ميّت صنع الدعوة! ثم قال لي : ولما كان بالامس لم أصلّ على ميّت فصنعت الدعوة التي نذرت!!
ووجدت من كنت أعهده من جميع الأشياخ بالقدس قد انتقلوا إلى جوار الله تعالىرحمهمالله ، فلم يبق منهم إلا القليل مثل المحدث العالم الإمام صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي ، ومثل الصالح شرف الدين الخشّي شيخ زاوية المسجد الأقصى.
ولقيت الشيخ سليمان الشيرازي فأضافني ولم ألق بالشام ومصر من وصل إلى قدم آدمعليهالسلام سواه! ثم سافرت عن القدس ، ورافقني الواعظ المحدث شرف الدين سليمان الملياني. وشيخ المغاربة بالقدس (٥٢) الصوفي الفاضل طلحة العبد الوادي فوصلنا إلى مدينة الخليل عليهالسلام ، وزرناه ومن معه من الانبياء عليهمالسلام ، ثم سرنا إلى غزّة فوجدنا معظمها خاليا من كثرة من مات بها في الوباء ، وأخبرنا قاضيها أن العدول بها كانوا ثمانين فبقى منهم الرّبع وان عدد الموتى بها انتهى إلى الف ومائة في اليوم.
ثم سافرنا في البر فوصلت إلى دمياط ولقيت بها قطب الدين النقشواني ، وهو صائم الدهر ، ورافقني منها إلى فارس كور وسمنّود (٥٣) ، ثم إلى أبي صير (٥٤) بكسر الصاد المهمل وياء مد وراء ونزلنا في زاوية لبعض المصريين بها.
__________________
(٥٢) إذا كان ابن بطوطة قد اختصر الحديث عن المغاربة الذين كانوا يوجدون بكثرة أثناء زيارته الأولى لبيت المقدس عام ٧٢٦ (I ، ١٢٥) ، فإنه هنا يتحدث بصراحة عن (شيخ المغاربة) أي وكيلهم لدى من يعنيه الأمر. ومن المعلوم أنه يوجد بالقدس حيّ بكامله يحمل اسم المغاربة الذين كانوا يرابطون هناك للدفاع عن بيت المقدس ، وعلاوة على وثيقة على أوقاف المصمودي سنة ٧٣٠ وأوقاف أبي مدين سنة ٧٢٠ فقد وجدنا رسالة يرفعها عام ٧٩٥ شيخ المغاربة بن عبد الوارث إلى كافل السلطنة في دمشق في اعقاب التجاء احد اليهود اليه ليتدخل لصالحهم في رفع الحجر الذي فرضه وإلى المدينة على تركة أحد اليهود ... د. التازي أوقاف المغاربة في القدس ، مطبعة فضالة المحمدية رقم الايداع القانوني ـ ١٤٠١ ـ ١٩٨١ ٨١ ـ ١٩٨١ التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٢ ص ٢٦٢ مصدر سابق ـ الوقف لخدمة السياسة الخارجية في المغرب ـ طبع المعهد الفرنسي للدراسات العربية ـ دمشق ١٩٩٥ ص ٧٦.
(٥٣) حول زيارة ابن بطوطة الأولى للخليل انظرI ، ١١٤ ـ ١٢٠ وحول غزه I ، ١١٥ ـ ١١٦ وحول دمياط (I ، ٦٠ ـ ٦٤) (وحول فارس كور يراجع I ، ٩٥ ولا يزال هذا معروفا بهذا الاسم ...
(٥٤) توجد عدة أمكنة في مصر تحمل اسم أبو صير ، ولهذا الاسم صلة بالإلاه أوزيريس Osiris الذي كانت له مكانة خاصة في مصر الشمالية ، وقد اخطا صطيفان عندما اعتقد أن القصد إلى أبو قير الذي يوجد على المتوسط شمال الاسكندرية ونعته بيكنكام على أنه مدينة صغيرة على مقربة من طنطا والحقيقة أن القصد إلى (بوصيربنا) الذي يقع جنوب المحلة مباشرة ، وهذا غير (بوصير الملق) الذي ينتسب إليه البوصيري صاحب البردة والذي يوجد جنوبا بمديرية بنو سويف انظر دائرة المعارف الإسلامية ـ التازي : حول الإمام البوصيري دفين القاهرة. العلم ٢٦ شتنبر ١٩٩٥.