ومدينة هيلي معظمة عند المسلمين والكفّار بسبب مسجدها الجامع ، فإنه عظيم البركة مشرق النور (١٠٣) ، وركاب البحر ينذرون له النذور الكثيرة ، وله خزانة مال عظيمة تحت نظر الخطيب حسين ، وحسن الوزان كبير المسلمين وبهذا المسجد جماعة من الطلبة يتعلمون العلم ولهم مرتبات من مال المسجد ، وله مطبخة يصنع فيها الطعام للوارد والصادر ولإطعام الفقراء من المسلمين بها.
ولقيت بهذا المسجد فقيها صالحا من أهل مقدشو (١٠٤) يسمى سعيدا ، حسن اللقاء والخلق يسرد الصوم ، وذكر لي أنه جاور بمكة أربع عشرة سنة ومثلها بالمدينة وأدرك الأمير بمكة أبا نمّى (١٠٥) ، والامير بالمدينة منصور بن جمّاز وسافر في بلاد الهند والصين.
ثم سافرنا من هلي إلى مدينة جرفتّن (١٠٦) ، وضبط اسمها بضم الجيم وسكون الراء وفتح الفاء وفتح التاء المعلوة وتشديدها وآخره نون ، وبينها وبين هيلي ثلاثة فراسخ ، ولقيت بها فقيها من اهل بغداد كبير القدر يعرف بالصّرصرى (١٠٧) نسبة إلى بلدة على مسافة عشرة أميال من بغداد في طريق الكوفة ، واسمها كإسم صرصر التي عندنا بالمغرب ، وكان له أخ بهذه المدينة كثير المال له أولاد صغار أوصى إليه بهم ، وتركته آخذا في حملهم إلى بغداد ،
__________________
(١٠٣) يرجع أصل دول المعبر إلى جد واحد شيرومان بيرومال (Cheruman Perumal) الذي اعتنق الاسلام ... ثم قام بأداء مناسك الحج حيث أدركه أجله في مكة ، وقبل وفاته بعث برسول من الغز هو دينار مالك ت ٥٩١ ـ ١١٩٥ ليحمل المواطنين على اعتناق الإسلام ، فزار دينار الجزر الكبرى لبلاد المعبر وقام ـ رحمهالله ـ ببناء عدد من المساجد كان منها مسجد مدايي (MADAYI) أحد المساجد الثلاثة المعروفة هناك ، هذا المسجد الذي يحمل دائما كتاريخ للبناء عام ٥١٨ ـ ١١٢٤ ويتفق في أغلب الظن مع المسجد الذي ذكره ابن بطوطة. هذا ونذكر هنا أن القصد إلى دينار ملك وليس إلى مالك ابن دينار كما ورد عند الشيخ أحمد زين الدين المعبري المليباري المتوفى بعد ٩٩١ ـ في تاليف تحفة المجاهديين في أحوال البرتغاليين ، تقديم وتحقيق وتعليق محمد سعيد الطريحي ، ص ٢٢٦ ـ ٢٢٨ دائرة المعارف الاسلامية مادة دينار مالك. د. التازي : رسالة إلى محمد سعيد الطّريحي مجلة (الموسم) العدد ٣٦٩ ـ أكاديمية الكوفة ـ هولاندا.
(١٠٤) حول مقدشو ـ ج II ١٨٠ ـ ١٩١.
(١٠٥) حول أبي نمى ، أنظر ج I ، ٣٦٠.
(١٠٦) لعل القصد بجرفتّن إلى كنانورCANNANORE التي يقول عنها وارثيما (WARTHEMA) في بداية القرن السادس عشر : إنّه بمينائها يتم انزال الخيول التي يؤتى بها من بلاد فارس ... انظر الخريطة وانظر ما نقله BEKINGHAM عن يول ومزيك وگيب ج IV ، ٨١٠ تعليق ٣٦.
(١٠٧) أول المراحل من بغداد نهر صرصر ، وعليه مدينة صرصر ، تجري فيه السفن ، وبين مدينة صرصر وبغداد تسعة أميال ، وهي مدينة عامرة ... ولها جسر من مراكب يعبر الناس عليه" ـ الادريسي : نزهة المشتاق ، طبعة نابولي ، ج ٦ ، ص ٦٦٨ أما صرصر المغرب فهو جبل : أنظر كتاب (المشترك وضعا والمفترق صقعا) لياقوت الحموي (ت ٦٢٦) ص ٢٨٢ (De Wustenfeld).