ذكر هزيمته للكفار وهي من أعظم فتوحات الإسلام
وكان في ما يجاور بلاده سلطان كافر يسمى بلّال ديو (٢٨٤) ، بفتح الباء الموحدة ولام وألف ولام ثانية ودال مهمل مكسور وياء آخر الحروف مفتوحة وواو مسكن ، وهو من كبار سلاطين الكفار يزيد عسكره على مائة ألف ، ومعه نحو عشرين الفا من المسلمين أهل الذعارة وذوى الجنايات والعبيد الفارين ، فطمع في الاستيلاء على بلاد المعبر ، وكان عسكر المسلمين بها ستة آلاف منهم النصف من الجياد والنصف الثاني لا خير فيهم ولا غناء عندهم فلقوه بظاهر مدينة كبّان (٢٨٥) فهزمهم ورجعوا إلى حضرة مترة ، ونزل الكافر على كبّان وهي من أكبر مدنهم وأحصنها وحاصرها عشرة أشهر ولم يبق لهم من الطعام إلا قوت أربعة عشر يوما ، بعث لهم الكافر أن يخرجوا على الأمان ويتركوا له البلد ، فقالوا له : لا بد من مطالعة سلطاننا بذلك، فوعدهم إلى تمام أربعة عشرة يوما ، وكتبوا إلى السلطان غياث الدين بأمرهم فقرأ كتابهم على النّاس يوم الجمعة ، فبكوا ، وقالوا : نبيع أنفسنا من الله ، فإن الكافر إن أخذ تلك المدينة انتقل إلى حصارنا ، فالموت تحت السيوف أولى بنا! فتعاهدوا على الموت وخرجوا من الغد ونزعوا العمائم عن رؤوسهم وجعلوها في أعناق الخيل ، وهي علامة من يريد الموت ، وجعلوا ذوي النجدة والأبطال منهم في المقدمة ، وكانوا ثلاثمائة ، وجعلوا على الميمنة سيف الدّين بها دور ، وكان فقيها ورعا شجاعا ، وعلى المسيرة الملك محمد السّلحدا (٢٨٦) ، وركب السلطان في القلب ومعه ثلاثة آلاف ، وجعل الثلاثة الآلاف الباقين ساقة لهم ، وعليهم اسد الدين كيخسرو الفارسي ، وقصدوا محلّة الكافر عند القائلة ، وأهلها على غرة ، وخيلهم في المرعى فأغاروا عليها، وظن الكفار أنهم سرّاق فخرجوا اليهم على غير تعبئة وقاتلوهم ، فوصل السلطان غياث الدين فانهزم الكفار شرّ هزيمة ، وأراد سلطانهم أن يركب وكان ابن ثمانين سنة ، فأدركه ناصر الدين بن أخي السلطان الذي ولي الملك بعده ، فأراد قتله ، ولم يعرفه ، فقال له أحد غلمانه : هو السلطان ، فأسره وحمله إلى عمه فأكرمه في الظاهر حتى جبى منه الأموال والفيلة والخيل ، وكان يعده السراح ، فلما استصفى ما عنده ذبحه وسلخه ، وملئ جلده بالتبن ، فعلّق على سور مترة ، ورايته بها معلقا!
ولنعد إلى كلامنا فنقول : ورحلت عن المحلة فوصلت الى مدينة فتّن ، بفتح الفاء والتاء المثناة المشددة ونون وهي كبيرة حسنة على الساحل ، ومرساها عجيب قد صنعت فيه قبّة خشب كبيرة قائمة على الخشب الضخام يصعد اليها على طريق خشب مسقّف ، فإذا جاء
__________________
(٢٨٤) بلال ديو الثالث (BALLALA III) آخر سلطان لهوزالاHoysala سنة ١٩٩٢ ـ ١٣٤٢ ـ ٦٩١ ـ ٧٤٢.
(٢٨٥) القصد إلى Konnanur ـ Koppam كونّانوركوبّان وتقع في أقصى جنوب ولاية أندرابراديش ـ (AN DRAPRADESH) أنظر الخريطة.
(٢٨٦) ضابط مكلّف بحراسة الأسلحة.