جوزة من جوز النارجيل بين يديه ، ودفعها لنا فعجبنا من ذلك ودفعنا له دنانير ودراهم ، فلم يقبلها وأتيناه بزاد فردّه.
وكانت بين يديه عباءة من صوف الجمال مطروحة فقلّبتها بيدي فدفعها لي ، وكانت بيدي سبحة زيلع (٨٢) فقلّبها في يدي فأعطيته إياها ، ففركها بيده وشمها وقبّلها ، وأشار إلى السماء ثم إلى سمت القبلة ، فلم يفهم أصحابي إشارته ، وفهمت أنا عنه أنه أشار أنّه مسلم يخفي إسلامه من أهل تلك الجزيرة ، ويتعيش من تلك الجوز ، ولمّا وادعناه قبلت يده فأنكر أصحابي ذلك ففهم إنكارهم فأخذ يدي وقبّلها وتبسّم وأشار لنا بالانصراف فانصرفنا وكنت آخر أصحابي خروجا ، فجذب ثوبي فرددت رأسي إليه ، فأعطاني عشرة دنانير ، فلما خرجنا عنه قال لي أصحابي : لم جذبك؟ فقلت لهم : أعطاني هذه الدنانير ، وأعطيت لظهير الدين ثلاثة منها ولسنبل ثلاثة ، وقلت لهما : الرجل مسلم ، ألا ترون كيف أشار إلى السماء؟ يشير إلى أنه يعرف الله تعالى ، وأشار إلى القبلة يشير إلى معرفة الرسول عليهالسلام وأخذه السبحة يصدّق ذلك ، فرجعا لما قلت لهما ذلك إليه ، فلم يجداه وسافرنا في تلك الساعة.
وبالغد وصلنا إلى مدينة هنور (٨٣) ، وضبط اسمها بكسر الهاء وفتح النون وسكون الواو وراء ، وهي على خور كبيرة تدخله المراكب الكبار ، والمدينة على نصف ميل من البحر وفي أيام البشكال ، وهو المطر ، يشتد هيجان هذا البحر وطغيانه فيبقى مدّة أربعة أشهر لا يستطيع أحد ركوبه إلا للصيد فيه ، وفي يوم وصولنا إليها جاءني أحد الجوكية من الهنود في خلوة وأعطاني ستة دنانير ، وقال لي : البرهمي بعثها إليك ، يعني الجوكي الذي أعطيته السبحة وأعطاني الدنانير فأخذتها منه وأعطيته دينارا منها فلم يقبله وانصرف ، وأخبرت أصحابي بالقضية وقلت لهما : إن شئتما نصيبكما منها ، فأبيا ، وجعلا يعجبان من شأنه ، وقالا لي : إن الدنانير الستة التي أعطيتنا إياها جعلنا معها مثلها وتركناها بين الصنمين حيث وجدناه ، فطال عجبي من أمره واحتفظت بتلك الدنانير التي أعطانيها.
واهل مدينة هنّور شافعية المذهب ، لهم صلاح ودين وجهاد في البحر وقوة ، وبذلك عرفوا حتى أذلهم الزمان بعد فتحهم لسندابور ، وسنذكر ذلك ، ولقيت من المتعبدين بهذه المدينة الشيخ محمد الناقوري أضافني بزاويته. وكان يطبخ الطعام بيده استقذارا للجارية
__________________
(٨٢) الزيلع : ضرب من صغار الودع ، الصدف ... وهناك (زيلع) : العلم الجغرافي : عاصمة البربرة التي تقدم الكلام عنها ج II ـ ١٨٠. حول بدخانة يراجع ج.III ـ ١٥١
(٨٣) هنور (HONAVAR) تقع في إقليم كانارا (KANARA) عند مصب نهر شاراواتي (SHARAVATI).