ذكر سلطان تكدّا
وفي أيام إقامتي بها توجّه القاضي أبو ابراهيم ، والخطيب محمد والمدرس أبو حفص ، والشيخ سعيد بن علي إلى سلطان تكدّا ، وهو بربري يسمى إزار (١٣٠) ، بكسر الهمزة وزاي والف وراء ، وكان على مسيرة يوم منها ، ووقعت بينه وبين التكركرى (١٣١) ، وهو من سلاطين البربر أيضا ، منازعة فذهبوا إلى الاصلاح بينهما فأردت أن القاه ، فاكتريت دليلا وتوجهت إليه، وأعلمه المذكورون بقدومي فجاء إليّ راكبا فرسا دون سرج وتلك عادتهم ، وقد جعل عوض السرج طنفسة حمراء بديعة وعليه ملحفة وسراويل وعمامة كلّها زرق ، ومعه أولاد أخته وهم الذين يرثون ملكه ، فقمنا إليه ، وصافحناه ، وسأل عن حالي ومقدمي فأعلم بذلك ، وأنزلني ببيت من بيوت اليناطبين ، وهم كالوصفان (١٣٢) عندنا ، وبعث برأس غنم مشوي في السفود ، وقعب من حليب البقر ، وكان في جوارنا بيت أمه وأخته فجاءتا إلينا وسلّمتا علينا وكانت أمه تبعث لنا الحليب بعد العتمة وهو وقت حلبهم ويشربونه ذلك الوقت وبالغدو ، وأما الطعام فلا يأكلونه ولا يعرفونه ، وأقمت عندهم ستّة أيام ، وفي كل يوم يبعث بكبشين مشويين عند الصباح والمساء ، وأحسن إلي بناقة وعشرين مثاقيل من الذهب وانصرفت عنه وعدت إلى تكدا.
ذكر وصول الأمر الكريم إلي
ولما عدت إلى تكدا وصل غلام الحاج محمد بن سعيد السّجلماسي بأمر مولانا أمير
__________________
(١٣٠) ورد في الباب الحادي عشر من مسالك الأمصار لابن فضل الله العمري : «وبلاد السودان أيضا ثلاثة ملوك مستقلون مسلمون بيض من البربر سلطان أهير ، وسلطان دموسه وسلطان دامكة ... ثلاثتهم في جنوب الغرب وأكبرهم ملك أهير ... زيّهم نحو زي المغاربة» ففيما يتصل بأهير فإنها توجد في شرق تيكيدّا وتادماكتا في الشمال الغربي لهذه المدينة الاخيرة (في شرق جمهورية مالي) ـ سلطان تكدا الذي ذكره ابن بطوطة هو سلطان دموسه عند العمري ، في هذه السنة ذاتها لقي ابن خلدون في بسكره مبعوثا من هذا السلطان يشيد بازدهار تكدّا ...
(١٣١) ينبغي أن يكتب هكذا : الكركري نسبة إلى كركر : منطقة صحراوية تقع في الجنوب الغربي لأير (AIR) ويحتمل أن يكون الأصل (جرجر (Cuoq p ٠٢٣ ـ Note ٢.
(١٣٢) الوصفان في اصطلاح كتاب القصور الملكية بالمغرب جمع أوصيف (Usef) ، ويعني العبد الحارس المقرّب من الملك وهو نظام يشبه إلى حدّ كبير نظام الحشم الذي كان في عهد المرابطين على ما نقراه في الحلل الموشية ... وتقدم لنا الحديث عنهم أما اليناطيون (أو النّياطيون كما في نسخة الحبيب اللمسي) : فلم يعرف القصد منه ولعل أصل الكلمة من لغة التوارگ وعرّبت فحرّفت Beckingham ٥٧٩ n ١٠١ Cuoq.p ٠٢٣ Note ٢.