بعد خروجي عنها ، وأضافني بها الحاج محمد الوجدي التازي وهو ممن دخل اليمن (١١٤) ، والفقيه محمد الفيلالي امام مسجد البيضان.
ثم سافرت منها برسم تكدا (١١٥) في البر مع قافلة كبيرة للغدامسيين ، دليلهم ومقدمهم الحاج وجّين بضم الواو وتشديد الجيم المعقودة ، ومعناه الذئب بلسان السودان ، وكان له جمل لركوبي وناقة لحمل الزاد ، فلما رحلنا أول مرحلة وقفت الناقة فأخذ الحاج وجين ما كان عليها وقسمه على أصحابه فتوزّعوا حمله ، وكان في الرفقة مغربي من أهل تادلة (١١٧) فأبى أن يرفع من ذلك شيئا كما فعل غيره ، وعطش غلامي يوما فطلبت منه الماء فلم يسمح به!
ثم وصلنا إلى بلاد بردامة (١١٨) وهي قبيلة من البربر ، وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهمل والف وميم مفتوح وتاء تأنيث ، ولا تسير القوافل إلّا في خفارتهم ، والمرأة عندهم في ذلك أعظم شأنا من الرجل ، وهم رحّالة لا يقيمون ، وبيوتهم غريبة الشكل يقيمون أعوادا من الخشب ويضعون عليها الحصر ، وفوق ذلك أعواد مشتبكة، وفوقها الجلود أو ثياب القطن ، ونساؤهم أتم النساء جمالا وأبدعهن صوّرا ، مع البياض الناصع والسّمن! ولم أر في البلاد من يبلغ مبلغهن في السّمن! وطعامهن حليب البقر وجريش الذرة يشربنه مخلوطا بالماء غير مطبوخ عند المساء والصباح ، ومن أراد التزوّج منهن سكن بهن في أقرب البلاد إليهن ولا يتجاوز بهن كوكو ولا إيوالّاتن.
__________________
(١١٤) لم يكن هذا التازي المغربيّ الأول والأخير الذي دخل اليمن ، فقد عرف التاريخ عن عدد ممّن كان لهم باليمن. ـ د. التازي : رحلة مغربيّ إلى حضر موت ، مجلة المورد البغدادية ١٩٩٣.
(١١٥) تكدّا اضطربت أقوال المعلقين حول تحديد المكان الذي يقصده ابن بطوطة في منطقة إير (AYAR) ويبدوا الآن انها هي أزليك (AZELIK). هذا وإن التنقيبات والحفريات كشفت عن النشاط الذي كان موجودا فيما يتصل بصناعة النحاس والصفر بموقع أزليك (AZelik) على بعد ٢٥ ك. م. شمال شرق تيگيدّا ـ المناجم نفسها توجد في أزوزا (Azouza) على بعد ١٣ ك. م شرق أزليك ، وأن وجود النحاس أكّده العمري
GIbb, P. ٢٨٢ Note ٥٣. Stephane T. p. ٥٣٤ ـ Note ٠١١ Beckingham T IV P. ٢٧٩.
(١١٦) كان ينبغي أن تكتب (وجين) هكذا : أوشين بالشين (Uchchn) وهي تعني ابن آوى لأنه هو الموجود بالمغرب أما الذئب بمعنى Wolves فلا يوجد بأرض افريقيا على ما يقول المتخصصون.
(١١٧) تادلة من الأقاليم المغربية الكبرى وقد كان لها حضور بارز في تاريخ المغرب على عهد المرابطين والموحّدين واليها ينتسب عدد من العلماء ورجال الفضل ، والعجب كيف أن ابن بطوطة صادف هذا الرهط منه فإن أهل تادلا معروفون بالفضل والخير ...
(١١٨) بردامة ، يعتقد أنها هي بالذات بغامة عند الادريسي وهو يقول عنها ج I ص ٢٥ ـ ٢٧.
ومع الصحراء قوم يقال لهم بغامة وهم برابر رحالة لا يقيمون في مكان ، يرعون جمالهم على ساحل واد يأتي من ناحية المشرق فيصبّ في النيل (كذا) ، واللبن عندهم كثير ، ومنه يعيشون ..." وشربهم من عيون يحفرونها في تلك الارض عن علم لها وتجربة في ذلك صحيحة ـ يراجع التعليق رقم ٢٤.