كثيرة الخيرات والفواكه ، رأيت العنب يباع في أسواقها بحساب ثمانية أرطال بدرهم صغير ، ورمّانها المرسى الياقوتي لا نظير له في الدنيا ، وأما التين واللّوز فيجلبان منها ومن أحوازها إلى بلاد المشرق والمغرب (٢٩).
قال ابن جزي : وإلى ذلك أشار أبو محمد عبد الوهاب بن علي المالقي في قوله وهو من مليح التّجنيس :
مالقة حييت ياتينها |
|
فالفلك من أجلك ياتينها |
نها طبيبي عنك في علة |
|
ما لطبيبي عن حياتي نها؟! |
وذيّلها قاضي الجماعة أبو عبد الله ابن عبد الملك (٣٠) بقوله في قصد المجانسة
وحمص لا تنس لهاتينها |
|
واذكر مع التّين زياتينها! |
رجع ، وبمالقة يصنع الفخار المذهب العجيب ، ويجلب منها ، إلى أقاصي البلاد ، ومسجدها كبير الساحة ، شهير البركة وصحنه لا نظير له في الحسن ، فيه أشجار النارنج البعيدة.
ولما دخلت مالقة وجدت قاضيها الخطيب الفاضل أبا عبد الله بن خطيبها الفاضل أبي
__________________
(٢٩) إشارة طريفة لبعض المواد : (التين واللوز والفخار المذهّب الآتي الذكر) التي كانت تجلب من الغرب الاسلامي (مالقة) إلى أقصى بلاد المشرق ، مما يكشف عما كان يربط بين الجناحين على الصعيد التجاري ، وقد ورد في نفح الطيب للمقري : أن تين مالقة يضرب المثل بحسنه وانه يجلب حتى للهند والصين ، وقيل إنه ليس في الدنيا مثله. نفح الطيب l ، ص ١٥١ ـ ١٥٢.
(٣٠) لاحظ المقري في نفح الطيب l ـ ١٥٢ أن ابن جزي في ترتيبه لرحلة ابن بطوطة نسب البيتين الأولين للخطيب أبى محمد عبد الوهاب بن علي المالقي كما نسب التذييل لقاضي الجماعة أبي عبد الله بن عبد الملك (يعني صاحب الذيل والتكملة) ، وكانت هذه الملاحظة بعد أن نسب المقري البيتين المذكورين لأبي الحجاج يوسف ابن الشيخ البلوي المالقي كما نسب تذييلهما للامام الخطيب أبي محمد عبد الوهاب المنشئ قال وفي بعض النسخ :
لا تنس لإشبيلية تينها |
|
واذكر مع التين زياتينها! |
وهو نحو الأول لأنّ حمص هي إشبيلية لنزول أهل حمص من المشرق بها ... وجاء في (الروض) أن الطلبة خرجوا للقاء أبى محمد عبد الله بن سليمان بن حوط الله الانصاري لما ولى القضاء بمالقة ، فأنشدهم هذين البيتين ، ولا بدّ لنا بعد هذا أن نشير لما ورد عند الشقندي حول تين مالقة الذي كان يباع في بغداد على جهة الاستطراف ... وكان المسلمون والنصارى يسفّرون منه في المراكب البحرية ما لا يمكن حصره! لقد أخذ الشقندى مرة طريق الساحل من سهيل إلى بلش قدر ثلاثة أيام وتعجب فيما حوته هذه المسافة من تين ... ـ المقري : نفح الطيب ، تحقيق : د. إحسان عباس ، دار صادر ـ ج l ص ١٥١. ج ٣ ، ٢١٩.