ووصلنا إلى مرسى قاقله فوجدنا به جملة من الجنوك معدة للسرقة ، ولمن يستعصى عليهم من الجنوك ، فإن لهم على كلّ جنك وظيفة ، ثم نزلنا من الجنك إلى مدينة قاقلة وهي بقافين أخرهما مضموم ولامها مفتوح ، وهي مدينة حسنة عليها سور من حجارة منحوتة ، عرضه بحيث تسير فيه ثلاثة من الفيلة! وأول ما رأيت بخارجها الفيلة عليها الأحمال من العود الهندي يوقدونه في بيوتهم ، وهو بقيمة الحطب عندنا ، أو أرخص ثمنا ، هذا اذا ابتاعوا فيما بينهم ، وأما للتجار فيبيعون الحمل منه بثوب من ثياب القطن ، وهي أغلى عندهم من ثياب الحرير.
والفيلة بها كثيرة جدا ، عليها يركبون ويحملون ، وكلّ إنسان يربط فيلته على بابه وكلّ صاحب حانوت يربط فيله عنده ، ويركبه إلى داره وتحمل ، وكذلك جميع أهل الصين والخطا على مثل هذا الترتيب (٢١).
ذكر سلطان مل جاوة
وهو كافر رأيته خارج قصره جالسا على قبة ليس بينه وبين الأرض بساط ، ومعه أرباب دولته والعساكر يعرضون عليه مشاة ، ولا خيل إلا عند السلطان ، وانما يركبون الفيلة ، وعليها يقاتلون ، فعرف شأني ، فاستدعاني فجئت وقلت : السلام على من اتبع الهدى ، فلم يفقهوا إلا لفظ السلام! فرحّب بي ، وأمر أن يفرش لي ثوب أقعد عليه ، فقلت للترجمان : كيف أجلس على الثوب والسلطان قاعد على الأرض؟ فقال : هكذا عادته يقعد على الأرض تواضعا ، وأنت ضيف ، وجئت من سلطان كبير ، فيجب إكرامك ، فجلست وسألني عن السلطان ، فأوجز في سؤاله ، وقال لي : تقيم عندنا في الضيافة ثلاثة أيام ، وحينئذ يكون انصرافك.
ذكرى عجيبة رأيتها بمجلسه
ورأيت في مجلس هذا السلطان رجلا بيده سكين شبه سكين المسفّر قد وضعه على رقبة نفسه ، فوقع رأسه لحدة السكين وشدّة امساكه بالارض ، فعجبت من شأنه ، وقال لي السلطان : أيفعل أحد هذا عندكم؟ فقلت له : ما رأيت هذا قط! فضحك ، وقال : هؤلاء عبيدنا يقتلون أنفسهم في محبّتنا!! وأمر به فرفع وأحرق ، وخرج لإحراقه النواب وأرباب الدولة
__________________
(٢١) حديث ابن بطوطة عن استعمال أهل الصين والخطا للفيل على نحو ما هو في الهند ، حرك بعض المعلقين الذين قالوا: ان الفيل انما يستعمله المغول (الحكام في الصين) للأغراض الحربية واحيانا في بعض الجهات الجنوبية ، بلاد الخطا (Cathey) التي تعني شمال الصين لم تكن تابعة لحكم دولة سونك الى أن اتم قوبيلاي Qubilai فتحه للبلاد كلها ـ السّرقة هنا تعني القرصنة.