ثم رحلت من غرناطة إلى الحمّة ، ثم إلى بلّش ثم إلى مالقة ، ثم إلى حصن ذكوان وهو حصن حسن كثير المياه والاشجار والفواكه (٥١) ، ثم سافرت منه إلى رندة ثم إلى قرية بني رياح(٥٢) فأنزلني شيخها أبو الحسن علي بن سليمان الرياحي وهو أحد كرماء الرجال ، وفضلاء الأعيان يطعم الصادر والوارد وأضافني ضيافة حسنة.
ثم سافرت إلى جبل الفتح وركبت البحر في الجفن الذي جزت فيه أولا وهو لأهل أصيلا فوصلت إلى سبتة وكان قائدها إذا ذاك الشيخ أبو مهدي عيسى بن سليمان بن منصور وقاضيها الفقيه أبو محمد الزجندري (٥٣).
ثم سافرت منها إلى أصيلا وأقمت بها شهورا (٥٤) ، ثم سافرت منها إلى مدينة سلا (٥٥) ، ثم سافرت من سلا فوصلت إلى مدينة مراكش (٥٦) ، وهي من أجمل المدن ، فسيحة الأرجاء متسعة الأقطار كثيرة الخيرات ، بها المساجد الضّخمة كمسجدها الأعظم المعروف بمسجد الكتبيين (٥٧) وبها الصومعة الهائلة العجيبة ، صعدتها وظهر لي جميع البلد منها ،
__________________
(٥١) حصن ذكوان ، هو ما يعرف اليوم بكوين (Coin) المدينة الصغيرة التي تقع على بعد ٤٠ كيلوميترا غربي مالقة في منتصف الطريق بين رندة ومالقة ـ النفح ٤ ، ٥١٥ ـ ٥١٦.
(٥٢) تقع قرية بني رياح بين رندة وجبل طارق لكنا لم نصل إلى تحديد موقعها بالضبط.
(٥٣) كانت زيارتي لسبتة في ٢٩ / ١١ / ١٩٩٦ مناسبة للرجوع إلى ترجمة هذا العالم الجليل الذي ينتسب إلى زكندر (بسوس) وقد تجول عبر الأقطار المشرقية ... تولى بعد سبتة قضاء مراكش وبها توفي عام ٧٦٨ ه ، أهمل بروفنسال ذكره وكذا بقية المعلقين ترجمه ابن الخطيب في النفاضة وقال عنه : «حسن الغفلة عن نصيب النفس» أما عن القائد فإن لأسرته ذكرا عند المنافسة على السلطة ...
(٥٤) لم نعرف بالضبط عدد الشهور التي قضاها في أصيلا وليس في سبتة كما يقول ذ. نورّيس ...) Norris) وربما كان هذا الانتظار في أصيلا بدافع الابتعاد عن العاصمة التي كانت تعيش فترة قلقة بسبب تدهور العلاقات بين السلطان أبي الحسن وولده السلطان أبي عنان الذي التحق بمراكش في طلب والده في صفر ٧٥١ ـ أبريل ماي ١٣٥٠ على ما يذكر الزركشي في كتابه (تاريخ الدولتين)
(٥٥) بالرغم مما يظهر من أن مقامه بسلا كان عابرا الا أن ما حكاه وهو يزور (القسطنطينية العظمى) (تركيا). وهو يزور (بلخ) افغانستان يؤكد أنه لم ينس ذكر رباط الفتح في آسيا الصغرى ولم ينس جامع حسان وهو في خراسان ـ يراجع ج ٢٣٤ ـ II ، ج.٩٥ ـ III يراجع بحثي حول نصيب الأعلام الجغرافية المغربية في رحلة ابن بطوطة ، ندوة تاريخ الرباط نونبر ١٩٩٥.
(٥٦) يلاحظ أن ابن بطوطة بالنسبة للمواقع الجغرافية المغربية لم يبق له اهتمام بتحريكها وشكلها على نحو ما كان يفعل مع مواقع في البلاد الأخرى فهو لم يحمل نفسه عناء البحث في أن مراكش تشكل بضم الميم كما يقول قوم أو بفتحها كما يقول آخرون أم أنها ترسم على شكل ثالث كما فعله الأمير بلقين في مذكراته. ويلاحظ أن الترجمة الفرنسية أعطت لنفسها الصلاحية لترجمة كلمة (مراكش) بكلمةMaroc عكس الترجمة الانجليزية التي تميز بين اسم المغرب كبلد واسم مراكش كمدينة د. التازي : الأعلام الجغرافية في رحلة ابن بطوطة ، بحث قدم لمجمع القاهرة مارس ١٩٩٦ ـ المنهل ، جدة ، مارس ١٩٩٧.
(٥٧) يبلغ علو صومعة الكتبيين ٦٧ ميتر وما تزال شامخة إلى اليوم ... وعندما نذكر منارة الكتبيين نذكر منارة حسان (بالرباط) ومنارة الخيرالدا (باشبيلية) مقرونة بها ... فقد اقترن تاريخ بناء الثلاث باحداث هامة في تاريخ الدولة الموحدية حيث نلاحظ انها المساجد الثلاثة شيدت شكرا لله على ما أنعم به على الموحدين من ضروب النصر ، وخاصة في وقعة الآرك التي ظلت حديث المؤرخين ردحا من الزمان.
ذ ـ التازي : التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٦ ص ٦٨.