للرجال وبيوت للنساء يستحمون فيها ويستقون الماء ليلا ويجعلونه في السطوح ليبرد ، ثم سافرنا إلى تدمر (٣٤) مدينة نبي الله سليمان عليهالسلام التي بنتها له الجن كما قال النّابغة :
يبنون تدمر بالصفّاح والعمد (٣٥).
ثم سافرنا منها إلى مدينة دمشق الشام وكانت مدة مغيبي عنها عشرين سنة كاملة ، وكنت تركت بها زوجة لي حاملا (٣٦) ، وتعرفت وأنا ببلاد الهند أنها ولدت ولدا ذكرا فبعثت حينئذ إلى جده للّام وكان من أهل مكناسة (٣٧) المغرب أربعين دينار ذهبا هنديا ، فحين وصولي إلى دمشق في هذه الكرّة لم يكن لي همّ إلا السؤال عن ولدي ، فدخلت المسجد فوقف لي نور الدين السخاوي إمام المالكية وكبيرهم (٣٨) ، فسلمت عليه ، فلم يعرفني فعرّفته بنفسي ، وسألته عن الولد فقال : مات منذ اثنتي عشرة سنة ، وأخبرني أن فقيها من أهل طنجة يسكن بالمدرسة الظاهرية (٣٩) ، فسرت إليه لأسأله عن والدي وأهلي فوجدته شيخا كبيرا فسلمت عليه، وانتسبت له ، فأخبرني أن والدي توفي مند خمسة عشرة سنة وأن الوالدة بقيد الحياة.
وأقمت بدمشق الشام بقية السنة (٤٠) والغلاء شديد والخبز قد انتهى إلى قيمة سبع أواقي بدرهم نقرة ، وأوقيتهم أربع أواقي مغربية ، وكان قاضي قضاة المالكية إذا ذاك جمال
__________________
(٣٤) تدمر هي التي تعرف في الرواية الأوربية (PALMYRE).
(٣٥) النابغة الذبياني هو زياد بن معاوية ، شاعر جاهلي كانت تضرب له قبة من جلد أحمر في سوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها ... أحد أشراف الجاهلية ، كان حظيا عند النعمان ابن المنذر حتى شبب في قصيدة له بالمتجرّده (زوجة النعمان) لكن النعمان لم يلبث أن رضي عنه ، أدركه أجله حوالي ١٨ قبل الهجرة عام ٦٠٨ م. هذا وبداية البيت هكذا :
وخيس الجنّ أني قد أذنت لهم |
|
يبنون تدمر بالصّفاح والعمد |
من القصيدة التي يعتبرها بعضهم من المعلقات ومطلعها :
بادارميّة بالعلياء فالسند |
|
أقوت وطال عليها سالف الأبد! |
أنظر ياقوت في كتابه معجم البلدان.
(٣٦) لقد كان زار دمشق رمضان ٧٢٦ ـ ٣٢٦ ويلاحظ أنه لم يشر إلى زواجه عند حديثه عن مقامه الأول هناك ـ يراجع ج I ، ٢٣٥ تعليق ٣١٣.
(٣٧) من طرائف الرحلة أن نجد فيها مثل هذه الأخبار : زوجته الحفيدة لأحد أهل مكناسة بعد الفاسية والصفاقسية التي ربّما كانت تابعة لطنجويّة تزوج بها قبل أن يرحل؟!
(٣٨) الحديث عن السّخاوي تقدم ج I ، ٢١٤ ـ ٢٤١ ـ ٢٤٢ يلاحظ أن لقبه في المرجع الأول بدر الدّين مع انه نور الدّين ، ونذكر ان ابن بطوطة في زيارته الأولى لدمشق أقام عنده.
(٣٩) يراجع I ، ٢١٨.
(٤٠) يعني إلى آخر شهر مارس ١٣٤٨ ... هذا وقد ردد بعضهم ما قيل عند مقامه الأول من أنه يبعد أن يأخذ تلك الاجازات في ذلك الأمد القصير ، وهو كلام لا يلتفت اليه!!