وبعد عشرة أيام قدم مركب من سيلان فيه فقراء من العرب والعجم يعرفونني ، فعرّفوا خدّام الوزير بأمري ، فزاد اغتباطا بي وبعث عني عند استهلال رمضان ، (٢٢١) فوجدت الأمراء والوزراء وأحضر الطعام في موائد ، يجتمع على المائدة طائفة ، فأجلسني الوزير إلى جانبه ومعه القاضي عيسى والوزير الفاملداري والوزير عمر دهرد ومعناه مقدم العسكر (٢٢٢) ، وطعامهم الأرز والدجاج والسمن والسمك والخليع والموز المطبوخ ، ويشربون بعده عسل النّارجيل مخلوطا بالأفاويه ، وهو يهضم الطعام.
وفي التاسع من رمضان مات صهر الوزير زوج بنته ، وكانت قبله عند السلطان شهاب الدين ولم يدخل بها أحد منهما لصغرها ، فردّها أبوها لداره ، وأعطاني دارها وهي من أجمل الدور ، واستأذنته في ضيافة الفقراء القادمين من زيارة القدم (٢٢٣) ، فأذن لي في ذلك ، وبعث إليّ خمسا من الغنم ، وهي عزيزة عندهم لأنها مجلوبة من المعبر والمليبار ومقدشو ، وبعث الأرز والدجاج والسمن والابازير ، فبعثت ذلك كلّه إلى دار الوزير سليمان مانايك (٢٢٤) ، فطبخ لي بها فأحسن في طبخه وزاد فيه ، وبعث الفرش وأواني النحاس ، وأفطرنا على العادة بدار السلطانة مع الوزير ، واستأذنته في حضور بعض الوزراء بتلك الضيافة ، فقال لي : وأنا أحضر أيضا فشكرته وانصرفت إلى داري ، فإذا به قد جاء ومعه الوزراء وأرباب الدولة ، فجلس في قبة خشب مرتفعة ، وكان كل من ياتي من الأمراء والوزراء يسلم على الوزير ويرمي بثوب غير مخيط حتى اجتمع مائة ثوب أو نحوها فأخذها الفقراء.
وقدّم الطعام فأكلوا ثم قرأ القراء بالأصوات الحسان ثم أخذوا في السماع والرّقص وأعددت النار فكان الفقراء يدخلونها ويطأونها بالأقدام ومنهم من يأكلها كما تؤكل الحلواء إلى أن خمدت!
ذكر بعض إحسان الوزير إلي
ولما تمت الليلة انصرف الوزير ومضيت معه فمررنا ببستان للمخزن ، فقال لي : هذا البستان لك ، وسأعمر لك فيه دارا لسكناك فشكرت فعله ، ودعوت له ثم بعث لي من الغد بجارية وقال لي خديمه : يقول لك الوزير إن أعجبتك هي لك وإلّا بعث لك جارية مرهتية ،
__________________
(٢٢١) كان مبدأ رمضان يوافق ١٦ يناير ١٣٤٤.
(٢٢٢) لم يضبط ابن بطوطة هذا العلم ، وكان ذلك على خلاف عادته ، فهل المقصود بيل داهرا أحد الوزراء الثلاثة ...
(٢٢٣) القصد إلى قدم ادم في سيلان ، على ما سيأتي.
(٢٢٤) المانايك يعني الاميرال.