قال ابن جزي : لو لا خشيت أن أنسب إلى العصبية لأطلت القول في وصف غرناطة ، فقد وجدت مكانه ما اشتهر كاشتهارها لا معنى لإطالة القول فيه! ولله درّ شيخنا أبي بكر محمد ابن أحمد ابن شبرين السّبتي (٣٧) نزيل غرناطة حيث يقول :
رعى الله من غرناطة متبوأ |
|
يسرّ حزينا أو يجير طريدا |
تبرّم منها صاحبي عند ما رأى |
|
مسارحها بالثّلج عدن جليدا |
هي الثّغر صان الله من أهلت به |
|
وما خير ثغر لا يكون برودا؟ |
رجع ، ذكر سلطانها
وكان ملك غرناطة في عهد دخولي اليها السلطان أبو الحجاج يوسف بن السلطان أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر ولم ألقه بسبب مرض كان به (٣٨) ، ويعثت إليّ والدته الحرة الصالحة الفاضلة بدنانير ذهب ارتفقت بها.
__________________
(٣٧) معظم النسخ التي بين أيدينا ترسم (البستي) نسبة إلى بست (Bost) في أفغانستان التي ينسب إليها أبو الفتح البستي صاحب القصيدة المشهورة التي مطلعها : (زيادة المرء في دنياه نقصان) ، وهناك نسخة تحمل رقم ٢٢٨٩ ومخطوطة بتونس تحمل رقم ٥٠٤٨ ترسم الكلمة : السبتي نسبة إلى سبتة ، وقد اعتمدت الروايات الأوربية البستي ، وجاء من بعد هذا اللذين اهتموا بالرحلة سواء في مصر أو لبنان أو المغرب فكتبوا البستي بتقديم الباء ، وورد مع هؤلاء من تهربوا من ذكر هذا الاسم نهائيا! وقد تجلى من خلال البحث أن القصد إلى السبتي بتقديم السين ويتعلق الأمر بمحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ... ابن شبرين (بالباء بعد الشين لا الياء) من مواليد سبتة ، وانتقل عند كائنة سبتة ، فاستقر بغرناطة فارتسم بالكتابة السلطانية وولى القضاء بعدة جهات وتأثل مالا وشهرة حتى جرى مجرى الاعيان من أهلها ... كان تاريخيا مقيدا محققا لما ينقله وكانت له رحلة إلى تونس ، وقد جرى ذكره في كتاب «التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى» لابن الخطيب ... وقد ترجم له كذلك لسان الدين في الإحاطة ، وأتى بنماذج من شعره ... أدركه أجله في السبت الثاني من شعبان ٧٤٧ ـ ٢٣ نونبر ١٣٤٦ ودفن بباب ألبيرة :
(٣٨) هو يوسف الأول (١٣٣٣ ـ ١٣٥٤ ـ ٧٣٣ ـ ٧٥٥) من الدولة النّصرية وقد وصفه ابن الخطيب في الإحاطة (٤ ، ٣١٨) بأنه ... لباب هذا البيت وواسطة هذا العقد وطراز هذه الحلبة ...!! هذا ولم يفصح ابن بطوطة عن نوع المرض الذي كان يلم بالعاهل الغرناطي والذي يلاحظ أن أحدا من المؤرخين لم يشر إليه! ويبدو أن سلطان غرناطة الذي كان يطلب من أبي عنان تأجيل ملاحقه لوالده من مراكش فضّل المرض الدبلوماسي لتجنب الاتصال بهذا الزائر ...! وهكذا لم يتمكن رحالتنا من زيارة قصور الحمراء ... ومن ثم لم يقدم لنا عنها وصفا علي نحو ما اعتدنا منه عندما يزور معلمة من المعالم بل لم يكلّف نفسه عناء نقل بعض العبارات المنقوشة كما فعل من أتى بعده من أمثال الغزّال وابن عثمان في سفارتيهما لإسبانيا عندما نقلا علاوة على : (لا غالب إلّا الله) الموجودة في كل مكان ، مثل هذه الأشعار :
قصر بديع الحسن والإحسان |
|
لاحت عليه جلالة السلطان! |