والعساكر والرعايا وأجرى الرزق الواسع على أولاده وأهله وإخوانه وعظّموا لأجل فعله! وأخبرني من كان حاضرا في ذلك المجلس أن الكلام الذي تكلم به كان تقريرا لمحبته في السلطان ، وأنه يقتل نفسه في حبّه كما قتل أبوه نفسه في حب أبيه ، وجدّه نفسه في حب جده!
ثم انصرفت عن المجلس وبعث إلي بضيافة ثلاثة أيام. وسافرنا في البحر فوصلنا بعد أربعة وثلاثين يوما إلى البحر الكاهل (٢٢) وهو الراكد ، وفيه حمرة زعموا أنها من تربة أرض تجاوره ، ولا ريح فيه ولا موج ولا حركة مع اتساعه ، ولأجل هذا البحر تتبع كلّ جنك من جنوك الصين ثلاثة مراكب كما ذكرناه ، تجذف به فتجرّه ، ويكون في الجنك مع ذلك نحو عشرين مجدافا كبارا كالصّواري يجتمع على المجداف منها ثلاثون رجلا أو نحوها ، ويقومون قياما صفين كل صفّ يقابل (٢٣) الآخر ، وفي المجداف حبلان عظيمان كالطوانيس (٢٤) فتجدف إحدى الطائفتين الحبل ثم تتركه وتجذف الطائفة الأخرى ، وهم يغنون عند ذلك بأصواتهم الحسان ، وأكثر ما يقولون : لعلى لعلى.
وأقمنا على ظهر هذا البحر سبعة وثلاثين يوما ، وعجبت البحريّة من التسهيل فيه ، فإنهم يقيمون فيه خمسين يوما إلى أربعين وهي أنهى ما يكون من التّيسير عليهم.
ثم وصلنا إلى بلاد طوالسي ، وهي بفتح الطاء المهمل والواو وكسر السين المهمل ، وملكها هو المسمى بطوالسي (٢٥) ، وهي بلاد عريضة ، وملكها يضاهي ملك الصين وله
__________________
(٢٢) نعت ابن بطوطة هذا البحر بالكاهل وهو نعت فارسي يعني الراكد كما قال والقصد على ما أرى إلى المحيط الهادي كما نعته الجغرافيون فيما بعد ... وقد تحدث الادريسي في هذه المنطقة عن البحر الزفتي لان ماءه كدر ...
(٢٣) يراجع IV ، ٩١ ـ ٩٢ ...
(٢٤) (الطوانيس) بالنون عوض الباء التي يستشكلها دوزى ، والطوانيس تعني الدّبابيس.
(٢٥) تحديد بلاد طوالسى (Thaoalicy) كانت وما تزال محلّ نقاش متواصل بين المهتمين بالرحلة ، وينبغي في رأي نيكولاس زافرا (N.Zafra) رئيس قسم التاريخ بجامعة الفيليبين أن تكون طواليسي بمملكة شامبّا (Champa) بالهند الصينية ، ومما يذكر في هذا الصدد أن كلمة طاوال (Taval) تعني لقبا يعطي للأمراء والنبلاء في شامبّا ، وفي الباحثين كهنري يول (H.Yule) من يرى أنها سولو (Sulu) جنوب غربي الفيليبين ، ومنهم كالاستاذ جوزي ريزال (Jose Rizal) من يرى كذلك أنها توجد في لوزون (Luzon) بالفيليبين وفي الباحثين من قال : ان (طواليسي) كانت توجد باليابان! وأذكر بهذه المناسبة ، أن الوزير الأول المغربي السيد أحمد عصمان «فوجىء» وهو يزور اليابان عام ١٩٧٦ عندما سمع الوزير الياباني السيد طاكيوميكي T.Miki يرحب به قائلا : يسعد اليابان ان تستقبل في شخصكم المغربي الثاني بعد الزيارة التاريخية التي قام بها مسيو ابن بطوطة لبلادنا.!! وأرجو بهذه المناسبة أن أشكر الزميل الفيليبيني الأخ قيصر أديب ما جول (CESAR ADIB MAJUL) من جامعة الفيليبين على مراسلته منذ تاريخ ٢ نونبر ١٩٧٦ التي لخصت لي بعض ما يمكن أن يقال في هذا الصدد ، ـ د. التازي : تاريخ دخول الاسلام للفيليبين ، محاضرة ألقيتها في مانيلا يوم الاربعاءII يونيه ١٩٨٠. وكنت أرافق في هذه الرحلة المستشار أحمد ابن سودة ...