حكاية المشعوذ
وفي تلك الليلة حضر أحد المشعوذة ، وهو من عبيد القان ، فقال له الامير : أرنا من عجائبك! فأخذ كرة خشب لها ثقب ، فيها سيور طوال فرمى بها إلى الهواء فارتفعت حتى غابت عن الأبصار ، ونحن في وسط المشور أيام الحر الشديد ، فلما لم يبق من السير في يده إلا يسير أمر متعلّما له فتعلق به وصعد في الهواء إلى أن غاب عن أبصارنا ، فدعاه فلم يجبه ثلاثا فأخذ سكينا بيده كالمعتاظ وتعلق بالسير إلى أن غاب أيضا! ثم رمى بيد الصبي إلى الأرض ، ثم رمى برجله ثم بيده الأخرى ثم بجسده ثم برأسه ، ثم هبط وهو ينفخ وثيابه ملطخة بالدم ، فقبّل الأرض بين يدي الامير ، وكلمه بالصيني ، وأمر له الامير بشيء ، ثم إنه أخذ أعضاء الصبي فألصق بعضها ببعض وركضه برجله فقام سويّا! فعجبت منه ، وأصابني خفقان القلب كمثل ما كان أصابني عند ملك الهند حين رأيت مثل ذلك ، فسقوني دواء أذهب عني ما وجدت.
وكان القاضي أفخر الدين إلى جانبي فقال لي : والله ما كان من صعود ولا نزول ولا قطع عضو ، وإنما ذلك شعوذة!
وفي غد تلك الليلة دخلنا من باب المدينة الخامسة وهي أكبر المدن يسكنها عامة الناس ، وأسواقها حسان وبها الحذّاق بالصنائع وبها تصنع الثياب الخنساوية ، ومن عجيب ما يصنعون بها أطباقا يسمونها الدّست (٨٣) ، وهي من القصب وقد ألصقت قطعه أبدع إلصاق ودهنت بصبغ أحمر مشرق ، وتكون هذه الأطباق عشرة واحدا في جوف آخر رقّتها تظهر لرائيها كأنها طبق واحد ويصنعون غطاء يغطي جميعها ويصنعون من هذا القصب صحافا ، ومن عجائبها أن تقع من العلوّ فلا تنكسر ويجعل فيها الطعام السخن فلا يتغيّر صباغها ولا يحول ، وتجلب من هنالك إلى الهند وخراسان وسواها.
ولما دخلنا هذه المدينة بتنا ليلة في ضيافة أميرها ، وبالغد دخلنا من باب يسمى كشتي بانان إلى المدينة السادسة ، ويسكنها البحرية والصيادون والجلافطة والنجارون ، ويدعون داد
__________________
(٨٣) إحالة على I ، ١٨٧ نقول ... من معاني الدست أيضا ، واللفظ فارسي ، رقعة الشطرنج ، ويقولون فلان حسن الدّست شطرنجي حاذق ، واذا خاب أحدهم قيل : تم عليه الدست ، قال ابن شرف القيرواني :
خلت الدّسوت من الرخا |
|
خ ففرزنت فيها البيادق!! |
ويذكر دوزى من معاني الكلمة العرش والبساط ـ د. النعيمي : الفاظ من رحلة ابن بطوطة مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد ٢٤ ـ ١٩٧٤.