الأيام فوقع الاجتماع به في بستان الفقيه أبي القاسم محمد بن الفقيه الكاتب الجليل أبي عبد الله بن عاصم (٤٣) وأقمنا هنالك يومين وليلة (٤٤).
قال ابن جزي : كنت معهم في ذلك البستان وأمتعنا الشيخ أبو عبد الله باخبار رحلته ، وقيّدت عنه أسماء الأعلام الذين لقيهم فيها واستفدنا منه الفوائد العجيبة ، وكان معنا جملة من وجوه أهل غرناطة منهم الشاعر المجيد الغريب الشأن أبو جعفر أحمد بن رضوان بن عبد العظيم الجذامي (٤٥) وهذا الفتى أمره عجيب ، فإنه نشأ بالبادية ولم يطلب العلم ولا مارس الطّلبة ، ثم إنه نبغ بالشعر الجيد الذي يندر وقوعه من كبار البلغاء وصدور الطلبة مثل قوله :
يا من اختار فؤادي منزلا |
|
بابه العين التي ترمقه |
فتح الباب سهادي بعدكم |
|
فابعثوا طيفكم يغلقه |
رجع ، ولقيت بغرناطة شيخ الشيوخ والمتصوفين بها الفقيه أبا علي عمر بن الشيخ الصالح الولي أبي عبد الله محمد بن المحروق (٤٦) ، وأقمت أياما بزاويته التي بخارج
__________________
(٤٣) يبدو أن القصد إلى أبي عبد الله محمد بن محمد بن عاصم بن محمد بن أبي عاصم الأنصاري من أهل غرناطة ويعرف بابن عاصم ، كان حسن الخط ، وكتب بالديار السلطانية ، كان ليّن العريكة طيب النفس سليم الصّدر وولى الحسبة وناب عن صاحب القلم الاعلى ومن بعض قصائده :
شيّدت بملكك للهدى أركان |
|
وسما به فوق السها أركان |
والله أسعدنا بدولتك التي |
|
هي للعباد والبلاد أمان |
وقلنا «يبدو» اعتمادا على ما ورده في هامش النسخة المطبوعة من الدرر من أنه توفى عام ٧٧٤ وليس عام ٧٤٣! ـ الدرر : ج ٤ ، ص ٢٩٤.
(٤٤) حسب إفادة البلفيقي ... فإن ذلك اللقاء تمّ في بستان بقرية نبلة ـ انظر ما نقله لسان الدين ابن الخطيب عن أبي البركات في الاحاطة ج III ص ٢٧٣. فهو يزكى ـ إلى حد ـ معلومات ابن بطوطة.
(٤٥) الجذامي هذا هو الذي نعته ابن حجر بأنه شاب فاضل وانه من الفلّاحين ببلدة غرناطة ، وأنه يحوك الشعر بالطبع الذّكي الذي له كقوله :
يا سيّدا ودعته ومدامعي |
|
تنهلّ من عيني يوم وداعه |
ما سار شخصك من محبّك انما |
|
غيبت عن عينيه في اضلاعه! |
وقد أورد ابن حجر كذلك نفس البيتين الواردين في الرحلة ، باستثناء تبديل منزل بمسكن مات شهيدا في جمادى ... عام ٧٦٣ عن احدى وأربعين سنة وربع سنة ـ الدررl ، ص ١٤١ ـ ١٦٢.
(٤٦) لم نقف على ترجمة لأبي علي عمر ابن المحروق هذا في كتاب الاحاطة لابن الخطيب بالرغم مما احال عليه لسان الدين في الترجمة الواسعة لابن أخيه أبي الحسن عليّ آتي الذكر قريبا ...