جدّ خلص لله قصده ، وعزم أرهف في سبيل الله حدّه ، وكريم يقفو ما سنّه أبوه وجدّه ، فاستكثروا من الخير الذي أنتم بسبيله ، واستعدوا على البحر القاطع بيننا وبينكم بتوفّر عدد أساطيله ، فقبل الرّمى تراش السّهام ، وقبل اللقاء يكتب الجيش اللهام. وعقل التجربة قد بيّن ما أشكل ، وفي معرض الاستعداد قيّدها وتؤكّل ، ومن قبلكم تلتمس العوارف ، ونقتبس المعارف ، ونتوسّد الظّل الوارف ، وبنظركم السّديد تحمد الموارد والمصارف [بفضل الله]. ومما أطرف به كتابكم الذي أطعم وسقا ، وأورد المسرّات نسقا ، وجلا من [الظلم المتظاهر] غسقا، خبر ما آل إليه حال مدينة إطرابلس التي أوقعت بالقلوب وقيعتها الشنيعة ، وفرعت بملكه الكفر هضبتها المنيعة ، وما ذخر الله فيها لملككم من حسن الصّنيعة ، وأنكم لبّيتم على البعد نداءها ، وشفيتم داءها ، وعاجلتم من يد الكفار فداءها ، وذلك عنوان قبول الله على مقامكم وإقباله ، ومنفبة حباها الله لجلاله ، فمن طمح إلى ما طمحتم إليه نظر لمناله ، ومن شراها بالثمن الخطير ، والله ما جار على ماله ، فياله من فخر جلّ قدره عن الثمن ، وذكر تخلل بغداد العراق وصنعا اليمن ، وصفقة رابحة إن لم يعقدها مثلكم ، وإلّا فمن لمثل ذلك تطمح الهمم ، وفي مثله تتنافس الأمم ، والله يذخر المال ، وعليه تحوم الآمال ، لدّة الإسكندرية ، وأمّ من أمهات المدن البحرية ، أراد الله أن يبقى التوحيد بها بسببكم ، وأن يجعلها بالملك الصريح من مكتسبكم ، فاهنوا بهذه الصنائع التي يلبسكم الله أطواقها ، ويفتح بسعدكم أغلاقها ، ما ذلك إلا لنية اطّلع عليها من ضميركم ، فسدّد إلى [الغرض الكريم] سهام تدبيركم ، وهو سبحانه يزيدكم من مواهبه ، ويحملكم من البرّ على أوضح مذاهبه. وأننا لم استجلينا من كتابكم غرّة السعادة المشرقة. وشكرنا منكم موقع الغمامة المغرقة [أمرنا برقد] المنشور ، فصدع به في الحفل المشهود [وبلغنا من الإشادة به أقصى الشهود] ورحّبنا بوافده المردود ، وأرغمنا أنوف أعداء الله وأعدائنا بلوائه المعقود ، حتى يبدو للقريب والبعيد تشيّعنا لمقامكم المحمود ، واستظلالنا بظلكم الممدود ، ونحن نجمع في مراجعتنا بين الشكر والثناء ، ومضاعفة الهنا. ونسل الله تعالى أن يطيل بقاءكم في الملك الوثيق البناء ، ويعرفكم من لديه عوارف الاعتناء [وهو سبحانه يديم سعدكم ويحرس مجدكم] والسلام.