ولما ولي المتوكل الخلافة وبنى الجامع الجديد «جعل الطريق إليه من ثلاثة صفوف واسعة عظيمة من الشارع الذي يأخذ من وادي إبراهيم بن رباح ، في كل صف حوانيت فيها أصناف التجارات والصناعات والبياعات ، عرض كل صفّ مائة ذراع بالذراع السوداء ، لئلا يضيق عليه الدخول إلى المسجد في الجمع في جيوشه وجموع خيله ورجاله ، ومن كل صف إلى الصف الذي تليه دروب وسكك فيها قطائع جماعة من عامة الناس فاتسعت على الناس المنازل والدور ، واتسع أهل الأسواق والمهن والصناعات في تلك الحوانيت التي هي في صفوف الجامع» (١).
وفي سنة ٢٤٥ شيّد المتوكل في الماحوزة على بعد ميلين من الكرخ مدينة الجعفرية ضمّت قصوره وإقطاعات ولاة عهوده وسائر أولاده وقوّاده وكتّابه وجنده والناس كافة وربطها مع الكرخ بشارع عرضه مائتا ذراع ، أقطع الناس على جانبيه ، وجدّ الناس في البناء الذي امتد واتصل من الدور والكرخ فسامرّاء وإلى بلكوارا في القادسية (ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج ولا موضع لا عمارة فيه فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ) (٢) ونقل إلى الجعفرية الدواوين.
شيّد المتوكل في الجعفرية أسواقا جعلت في موضع معتزل وجعل في كل مربعة وناحية سوقا ، وبنى المسجد الجامع ، (٣) أي إن الجعفرية لم تقتصر على سوق واحدة ، وإنما على عدة أسواق منها الرئيسية في موضع معتزل ، ومنها المتفرقة في المربعات والنواحي ، ولا بدّ أن هذه الأسواق كانت واسعة فيها سلع متعددة لسدّ حاجة هذه المدينة الكبيرة ، ولعل معظم أهلها والعاملين فيها انتقلوا من أسواق سامرّاء التي ضعفت بهذا الإعمار الجديد الذي لم يطل أمده لأن المتوكل لم يقم فيها إلا تسعة أشهر ثم قتل وولّي ابنه المنتصر الخلافة فعاد إلى سامرّاء وأمر الناس جميعا بالانتقال من الماحوزة ، وأن يهدموا المنازل ويحملوا النقض إلى سرّ من رأى ، فانتقل الناس وحملوا نقض المنازل إلى سرّ من رأى ،
__________________
(١) البلدان ٢٦٠.
(٢) م. ن ٢٦٦ ـ ٧.
(٣) م. ن ٢٦٦ ـ ٧.