الماء في منطقة سامرّاء
إن الرقعة التي استقر المعتصم على تشييد مدينته عليها في الجانب الشرقي من دجلة كانت صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة فيها ولا أنيس ، فهي أرض جرداء لم يكن فيها قبل بناء سامرّاء غير دير صغير ؛ ولم تكن فيها أنهار تزودها بالماء فكان شربهم جميعا من دجلة مما يحمل في الرّوايا على البغال والإبل ؛ لأن آبارهم بعيدة الرشاء ، مالحة غير سائغة ، فليس فيها اتساع في الماء ، ولكن دجلة قريبة والروايا كثيرة (١) ، وهي تفضل ماء دجلة العذب وتزوّد البلد بماء الشرب ، وربما للغسيل وسقي البساتين والأغراض الأخرى.
ولابدّ أن المعتصم كان يدرك أهمية توفير الماء لمدينته الجديدة ، ويعرف ملاحظة الوافد الرومي للخليفة المنصور على عيب مدينته المدوّرة بخلوّها من مصادر الماء (٢). وكان هو قد توقف عن تشييد بلدته في المطيرة لعدم توافر الماء اللازم فيها للشرب وإرواء البساتين التي كان يحرص على الإكثار منها.
ومما يظهر اهتمامه بالماء كثرة استخدامه المهندسين ، وهم المعنيون بتدبير الماء ، عند أول تأسيسه سامرّاء ؛ وذكر اليعقوبي أن المعتصم عندما قرر تشييد مدينته «أحضر المهندسين فقال اختاروا أصلح هذه المواضع فاختاروا عدة مواضع للقصور» وأنه «أقدم من كل بلد من يعمل من الأعمال أو يعالج مهنة من مهن العمارة والزرع والنخل والغروس وهندسة الماء ووزنه واستنباطه والعلم بمواضعه من الأرض» (٣). ثم إن المعتصم عنى بالحمّامات في عدد من المواضع التي أوطنها جماعته ، ومع أن المصادر لم تذكر في داخل سامرّاء حمّاما ، أو حفر أنهار مما كشف عن عدد غير قليل منها ، فالراجح أنها أمدت سامرّاء ببعض ، وليس كل ، ماتحتاجه من الماء.
وكان المتوكل أول خليفة أولى اهتماما بتزويد سامرّاء بماء الأنهار ، فيذكر
__________________
(١) البلدان لليعقوبي ٢٦٣ ؛ وانظر : المسالك للإصطخري ٨٥.
(٢) الطبري ٣ / ٣٢٣ ؛ تاريخ بغداد للخطيب ١ / ٨٠ ؛ معجم البلدان ٤ / ١٥٤.
(٣) البلدان لليعقوبي ٢٥٨.