تقديم
أنشئت سامرّاء (١) في أواخر الربع الأول من القرن الثالث الهجري ، وظلت مركزا لإقامة الخلفاء العباسيين قرابة خمسين سنة عاد بعدها الخلفاء إلى بغداد.
وكان الدافع الرئيسي لإنشائها الابتعاد عن الأجواء التي سادت بغداد وباعدت أهلها عن تأييد الخلافة العباسية. واستهدف المعتصم من إنشائها تأسيس مدينة متكاملة في تكوينها لإقامة الخليفة وجنده وحاشيته ومؤسساته الإدارية ، ولتكون مركزا حضريا تنشط فيه الحياة الاقتصادية والحضارية والفكرية التي تقدمت إبّان هذه الحقبة وأثرت في تكوين بغداد السكاني دون أن يقضي عليها أو يخمدها.
ولم يكن المعتصم أول خليفة ينقل مقامه من بغداد ، فقد فعل ذلك من قبله الرشيد والمأمون ، فأما الرشيد فإنه خلال أيامه التي دامت عشرين سنة لم يمض منها ببغداد سوى ثماني سنوات ، وقضى أربع سنوات في التنقل ، واستقر خلال السنوات الثماني الأخيرة من خلافته في الرقة. وأما المأمون فأنه بعد أن صفت له الخلافة قضى السنوات الأربع الأولى في خراسان ، ثم قضى السنوات الأربع الأخيرة من خلافته متنقلا بين دمشق ومصر والثغور.
اختار الخليفة العباسي المعتصم موقع سامرّاء في رقعة غير مأهولة بالسكان وأشرف على تخطيطها وبناء قصورها ؛ وجلب إليها من المتصلين به ومن يقوم بالخدمات لهم ، وكان الجند منذ تأسيسها العنصر المتميز في عددهم ومكانتهم وتأثيرهم في توجيه تخطيطها ؛ إلا أنها كانت أيضا مركزا للإدارة والحياة المدنية ، فهي شأن الأمصار العربية الأولى ، البصرة والكوفة وحتى بغداد ، لم
__________________
(*) بالعودة إلى «معجم البلدان» لياقوت الحموي ، يتبيّن أن لاسم هذه المدينة وجهين هما : «سامرّاء» ، بمدّ الألف ، و «سامرّا» ، بقصر الألف. ولأن الوجه الأوّل هو الأكثر شيوعا ، فقد اخترناه واعتمدناه في الكتاب كله (المراجع).