يتبين من الفقرة الأخيرة من نص اليعقوبي أن الجانب الغربي أوطنه الحرفيين الذين أقدمهم من سائر البلاد من أهل كل مهنة وصناعة ، وخص بالذكر من أوردهم من البصرة والكوفة ومصر. وذكر أن كل هؤلاء أنزلوا بعيالهم بهذه المواضع ، وأقطعوا فيها ، وجعل هناك أسواقا لأهل المهن بالمدينة. ولم تحدّد المصادر مواقع هذه الأسواق التي لابدّ أنها كانت متقاربة وغير بعيدة عن منازلهم التي يكوّن مجموعها مدينة لم تسمّها المصادر بذلك. وقد يشير توكيله قائدا بعمارة كل ناحية إلى أنه كانت لهم عدة مجموعات سكنية ؛ وفي أيّ حال فكلّهم أغراب ، ومن مدن عربية ، إذ لم يشر إلى استقدامه ذوي مهن من مدن أعجمية ، وإن كان أشار إلى جلبه من سائر البلدان وهي عبارة عامة.
استورد المعتصم المهنيين لإعمار بلد نشأ في قفر ، ولابدّ أن الذين أسكنهم في الجانب الغربي كانوا يعملون في إعمار الجانب الشرقي ، فعمله محاولة لفصل الحرفيين في السكن عن الجانب الشرقي.
وأولى المعتصم اهتماما خاصا بالإعمار الزراعي في الجانب الغربي ؛ ويسّر لنجاحه توافر الماء وصلاحية التربة ، ويبدو أن اهتمامه الأكبر كان بالبساتين وأشجار النخيل والفواكه والبقول والرياحين والرطاب ؛ مما يعين على اكتفائها الذاتي من هذه المنتوجات ويقلل اعتمادها الخطر على المستورد من البلاد الأخرى ؛ ومن الطبيعي أن هذه المنتوجات لاستهلاك أهل الجانب الشرقي ، وقد وصف المسعودي المعتصم بأنه يحب العمارة ، إعمار الأرض التي يجبى بها وعليها يزكو الخراج وتكثر الأموال وتعيش البهائم وترخص الأسعار ويتسع المعاش (١).
وعقد المعتصم جسرا ، لم تحدد المصادر موقعه بدقة ، يربط بين الجانبين وييسّر نقل السلع. ولعله كان على شارع الخليج ، وهو الشارع الذي على دجلة حيث الفرض والسفن والتجارات التي ترد من بغداد وواسط وكسكر السواد ، ومن البصرة والأبلة والأهوار وما اتصل بذلك. وفي هذا الشارع قطائع المغاربة
__________________
(١) مروج الذهب ٣ / ٤٦٢.