المختار والبديع وحمل ساجهما إلى الجعفري ، وأنه أنفق عليها فيما قيل أكثر من ألفي ألف دينار ، وهي تعادل خمسين ألف ألف درهم ، وكان يسميها المتوكلية ، وأنه بنى فيها قصرا سمّاه لؤلؤة ، لم ير مثله في علوّه وأمر بحفر نهر يأخذ رأسه خمسة فراسخ فوق الماحوزة ، وقد ذكرنا هذا النهر عند كلامنا عن الماء.
تفرّد الطبري بنصه القصير بذكر إقامته في المحمدية ، ونقضه المختار والبديع ، وبنائه لؤلؤة ، وذكره مأخذ النهر من كرمى ، وأخذه منازل وأراضي أهل جبلتا والخصاصتين وكرمى وإخراج أهلها منها. ولم يذكر مصائر أهل هذه القرى الذين لا بدّ أنهم استاؤوا ، ولا ذكر من صار يعمل في أراضيهم بعد إخراجهم.
وذكر اليعقوبي في كتابه التاريخ (١) أن المتوكل انتقل إلى موضع يقال له الماحوزة ، على ثلاثة فراسخ من قصر سرّ من رأى وبنى هناك مدينة سمّاها الجعفرية ، وحفر فيها نهرا من القاطول ، فنقل الكتّاب والدواوين والناس كافة إليها ، وبنى فيها قصرا لم يسمع بمثله ، وأنه لما قتل دفن في قصره بالجعفري الذي كان سماه الماحوزة. ثم ذكر أن المستعين لما انصرف من الجعفري إلى سرّ من رأى ، أمر بتخريب تلك القصور فنقل الناس عنها ، وعطلت تلك المدينة فصارت خرابا ، ورجع الناس إلى منازلهم بسرعة (٢).
قدم اليعقوبي وصفا واسعا للجعفرية فقال : وعزم المتوكل أن يبني مدينة ينتقل إليها وتنسب إليه ويكون له بها الذكر فأمر محمد بن موسى المنجم ومن يحضر ببابه من المهندسين أن يختاروا موضعا ، فوقع اختيارهم على موقع يقال له الماحوزة ، وقيل له إن المعتصم قد كان على أن يبني ها هنا ويحفر نهرا قد كان في الدهر القديم ، فاعتزم على ذلك ، وابتدأ النظر فيه سنة ٢٤٥ ، وجدّ في حفر ذلك النهر ليكون في وسط المدينة ، فقدّر النفقة على ذلك النهر بألف ألف دينار ، فطاب نفسا في ذلك ورضي به ، وابتدأ الحفر وأنفقت الأموال الجليلة على ذلك النهر.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٣ / ٣١٦ ـ ٧١٧.
(٢) التنبيه والإشراف ٣١٣.