وهم فى غاية ما يكون من الادب معه والاتضاع له واذا مشى فى المدينة يزدحم الناس عليه ويلتمسون منه البركة والدعاء ويقصدون تقبيل يده فلا يمكن أحدا من ذلك بل يصافحهم وكانت ثيابه حسنة ورائحته طيبة وكان ينفق على من يرد عليه نفقة متسعة ويعطى من يده عطاء جزيلا ولم يكن يتسبب فى تحصيل شئ من الدنيا ولا يقبل من أحد شيئا وبعث إليه السلطان الملك الكامل ألف دينار فردها اليه وسأله أن يجهز له ضريحا عند قبر أمه فى قبة الامام الشافعى فلم يأذن له بذلك ثم استأذنه أن يجهز له مكانا يكون مزارا يعرف به فلم يمكن له فى ذلك قال رضى الله عنه سمعت الشيخ يقول كنت فى أول تجريدى استأذن والدى واطلع الى وادى المستضعفين بالجبل الثانى وآوى فيه وأقيم فى هذه السياحة مدة ليال والها ثم أعود الى والدى لاجل بركته ومراعاة قلبه وكان والدى يومئذ خليفة الحكم العزيز بالقاهرة ومصر وكان من أكابر أهل العلم والعمل فيجد سرورا برجوعى اليه ويلزمنى بالجلوس فى مجالس الحكم ثم اشتاق الى التجريد فاستأذنه وأعود الى السياحة وما برحت أفعل ذلك مدّة الى أن سئل والدى ان يكون قاضى القضاة فامتنع ونزل عن الحكم واعتزل الناس وانقطع الى الله تعالى فى الجامع الازهر الى أن توفى فعدت الى التجريد والسياحة وسلوك طريقة الحقيقة فلم يفتح علىّ بشئ فحضرت من السياحة يوما الى المدرسة السيوفية فوجدت شيخا بقالا على باب المدرسة يتوضأ وضوأ غير مرتب يغسل يديه ثم يغسل رجليه ثم يمسح برأسه ثم يغسل وجهه فقلت له يا شيخ أنت فى هذا السن فى دار الاسلام على باب المدرسة بين الفقهاء وأنت تتوضأ وضوأ خارجا عن ترتيب الشرع فنظر الىّ وقال يا عمر أنت ما يفتح عليك بمصر وانما يفتح عليك بمكة شرفها الله تعالى فاقصدها فقد آن لك وقت الفتح فعلمت أن الرجل من أولياء الله تعالى وانه تستر بالمعيشة واظهار الجهل فجلست بين يديه وقلت يا سيدى وأين أنا وأين مكة ولا أجد ركبا ولا رفيقا فى غير أشهر الحج فنظر الىّ وأشار بيده وقال هذه مكة أمامك فنظرت مكة شرفها الله تعالى فتركته وطلبتها فلم تبرح أمامى حتى دخلتها فى ذلك الوقت وجاءنى الفتح حين دخلتها قلت ولهذا الفتح أشار رضى الله عنه فى قصيدته الدالية بقوله
يا سميرى روح بمكة روحى |
|
شاديا ان رغبت فى اسعادى |
كان فيها أنسى ومعراج قدسى |
|
ومقام المقام والفتح بادى |
قال رضى الله عنه أقمت بواد كان بينه وبين مكة عشرة أيام للراكب المجد وكنت آتى منه كل يوم وليلة أصلى فى الحرم الشريف الصلوات الخمس ومعى سبع عظيم الخلقة