القاسم قد حلف أن لا يكلمه فكان اذا عبر على بابه غمض عينيه وكان السبب فى ذلك انه تكلم فى النظر فلم يزل ابن القاسم على ذلك حتى عزل أشهب قال ابن مسكين كان فيمن يحضر حلقة أشهب فقيه حسن المناظرة وكان له جارية اشتراها بمال ورثه من أبيه ولم يكن عنده الا ما اشترى به الجارية فلما جاءت معه الى المنزل وجدته لا يصلح وليس فيه شئ من متاع الدنيا فقالت له إما أن تعيدنى الى السوق أو أقتل نفسى فرجع بها إلى السوق فاشتراها ابن محمود صاحب الجامع الذى بسفح المقطم وسيأتى ذكره فى موضعه فلما قبض الثمن رجع الى منزله فتذكرها فتألم لفراقها فمرض وانقطع عن طلب العلم وحضور مجلس الامام أشهب وتفقده الامام أشهب فلم يعط خبره فقال لأصحابه قوموا بنا اليه فجاؤا الى منزله فوجدوه مغلقا من داخل فاحتالوا عليه وفتحوه ودخلوا فوجدوه راقدا لا يتكلم فقال له الامام أشهب ما بك وما الذى أصابك أفنأتيك بطبيب قال لا فلم يزل به حتى أخبره بقصته فقال له قم معنا حتى نذهب الى الرجل فقام معهم وجاؤا الى محمود فوجدوه فى داره وخدمه بين يديه فلما رأى محمود أشهب قام اليه من مكانه وقبل يده وسأله عن سبب قدومه فأخبره بقصة الفقيه وقال له انظر فى حاله فقال والله جميع ما ترى من المصاغ والقماش هو لها وفى هذه الليلة يدخل بها ولدى فسكت أشهب وهمّ بالانصراف واذا بولد محمود قد جاء فنظر الى الامام أشهب وقبل يده وقال لوالده هذا أشهب المجاب الدعوة ما الذى جاء به قال يا ولدى جاء فى طلب الجارية فلانة وأخبره بالقصة فقال يا سيدى أشهدك علىّ أن الجارية وجميع ما صنعته الصناع ملك يمين الفقيه لأجل الامام أشهب وأعطى الفقيه الجارية والدار وجميع ما فيها كل ذلك ببركة الامام أشهب
قال ابن النحوى كان الامام أشهب فقيها عالما ورعا زاهدا محدثا خطيبا يعدّ من الفقهاء ومن المحدثين ومن المتصدرين ومن الخطباء وقال كان الامام أشهب اذا خطب تصدع خطبته قلوب المستمعين لفصاحته وبلاغته وقال محمد بن عاصم المعافرى رأيت ليلة من الليالى كأن قائلا يقول يا محمد فأجبته فقال
ذهب الذين يقال عند فراقهم |
|
ليت البلاد بأهلها لتصدّع |
وكان أشهب مريضا فقلت ما أخوفنى أن يموت فمات من مرضه ذلك وذلك فى شعبان سنة أربع ومائتين وكان مولده سنة أربعين ومائة. وفى طبقته سحنون بن سعيد وهو من أكابر أصحاب مالك رضى الله عنه دخل الى مصر وأقام بها وهو من أكابر الفقهاء كان يقول العلم حجة الله على عباده والعلماء مع الانبياء وخير الناس علماؤهم وقال عبيد