من كان من الحرّاث مع أبي حرب إلى حراثته وأرباب الأرضين إلى أرضيهم ، وبقي أبو حرب في نفر ، في زهاء ألف أو ألفين ، ناجزه رجاء الحرب ، فالتقى العسكران : عسكر رجاء وعسكر المبرقع ، فلمّا التقوا تأمل رجاء عسكر المبرقع ، فقال لأصحابه : ما أرى في عسكره رجلا له فروسية غيره ، وإنه سيظهر لأصحابه من نفسه بعض ما عنده من الرّجلة (١) ، فلا تعجلوا عليه ، قال : فكان الأمر كما قال رجاء ، فلما لبث المبرقع أن حمل على عسكر رجاء ، فقال رجاء لأصحابه : أفرجوا له ، فأفرجوا له ، حتى جاوزهم ثم كرّ راجعا إلى عسكر نفسه ، ثم أمهل رجاء ، وقال لأصحابه : إنه سيحمل عليكم مرة أخرى فأفرجوا له ، فإذا أراد أن يرجع فحولوا بينه وبين ذلك ، وخذوه ، ففعل المبرقع ذلك ، حمل على أصحاب رجاء ، فأفرجوا له حتى جاوزهم ثم كر راجعا ، فأحاطوا به ، وأخذوه ، وأنزلوه عن دابته.
قال : وقد كان قدم على رجاء حين ترك معاجلة المبرقع [الحرب](٢) من قبل المعتصم مستحث ، فأخذ الرسول فقيّده إلى ما كان من أمره ، وأمر أبي حرب ما كان مما ذكرنا ، فأطلقه ، فلمّا قدم رجاء بأبي حرب على المعتصم ، عذله المعتصم على ما فعل برسوله ، فقال له رجاء : يا أمير المؤمنين وجهتني في ألف إلى مائة ألف ، فكرهت أن أعاجله فنهلك ويهلك من معي ، ولا نغني شيئا ، فتمهّلت حتى خفّ من معه ووجدت فرصة ، ورأيت لحربه وجها ، فناهضته وقد خفّ من معه وهو في ضعف ، ونحن في قوة ، وقد جئتك بالرجل أسيرا.
[قال أبو جعفر :] وأما غير من ذكرت أنه حدّثني حديث أبي حرب على ما وصفت ، فإنه زعم أن خروجه كان في سنة ست وعشرين ومائتين ، وأنه خرج بفلسطين (٣) ـ أو قال : مكة ـ فقالوا : إنه سفياني ، فصار في خمسين ألفا من أهل اليمن وغيرهم ، واعتقد ابن بيهس (٤) وآخران معه من أهل دمشق ، فوجّه إليه المعتصم رجاء الحضاريّ في جماعة كثيرة ، فواقعهم بدمشق ، فقتل من أصحاب ابن بيهس وصاحبيه نحوا من خمسة آلاف وأخذ ابن بيهس أسيرا ، وقتل صاحبيه ، وواقع أبا حرب بالرّملة ، فقتل من أصحابه نحوا من عشرين ألفا ، وأسر أبا حرب ، فحمل إلى سامرّاء (٥) فجعل وابن بيهس في المطبق ، انتهى.
__________________
(١) الرجلة : القوة والشجاعة.
(٢) زيادة عن الطبري.
(٣) في تاريخ الطبري : «بالرملة» قوله : «أو قال مكة» ليس في تاريخ الطبري.
(٤) بالأصل : بهيس.
(٥) رسمها بالأصل : «سرمرا» والمثبت عن الطبري.