وفي تفسير ابن سلام : كان الفرار من الزحف يوم بدر من الكبائر. وكذلك يكون من الكبائر في ملحمة الروم الكبرى ، وعند الدجال.
وأيضا : فإن المنهزمين عنه «عليهالسلام» رجعوا لحينهم ، وقاتلوا معه ، حتى فتح الله عليهم (١).
ونقول :
أولا : إن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٢) خطاب عام ، لا يختص بوقت دون وقت ، ولا بغزوة دون أخرى ..
وعلى هذا ، فالمراد بقوله تعالى : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) يراد به : يوم لقاء العدو ، أو فقل : يوم الزحف.
ثانيا : ويشهد لما ذكرناه : أن الآيات المذكورة آنفا إنما نزلت بعد وقعة بدر ، ولذلك ترى الآيات تتحدث عنها بصيغة الماضي ، فتقول : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٣).
ومن الواضح : أن الأمور يوم بدر قد سارت على ما يرام ، ولم يحصل فرار من قبل المسلمين .. ولكن الله ، وهو يذكر هذا النصر العظيم ، ويمتن على المسلمين به يحذرهم من الفرار من الزحف فيما يأتي من حروب ، فيقول
__________________
(١) الروض الأنف ج ٤ ص ١٤١ وراجع : مواهب الجليل ج ٤ ص ٥٤٧.
(٢) الآيتان ١٥ و ١٦ من سورة الأنفال.
(٣) الآية ١٧ من سورة الأنفال.