نفسه ، فإنه هو الآخر كان في جملة الهاربين.
فاتضح : أن معاوية في روايته تلك ليس فقط يريد أن يدفع عن نفسه وعن أبيه عار الهزيمة يوم حنين. بل هو يريد أن يدّعي : أنه هو وأبوه وقريش هم صانعو النصر في حنين ، فهم الذين ضعضعوا المشركين ، ثم ما زال المسلمون يقتلون ويأسرون ، حتى كفهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ..
ثم إنه يريد أن يثبت إسلام أبي سفيان آنئذ ، ويبعد صفة النفاق ، والشرك عنه ، مع تصريحهم بخلاف ذلك حسبما تقدم وسيأتي.
ونحن على يقين من أن هذه الرواية لو صحت ، أو حتى لو أمكن التسويق لها ، ولو بشق الأنفس ، لو جدت محبي معاوية وأبي سفيان يقذفون بها في كل اتجاه ، ولكانت قد امتلأت بها كتبهم ، ولأشاروا إليها ، ودلوا عليها بمناسبة وبغير مناسبة ..
ولكن القاعدة التي تقول : حدّث العاقل بما لا يليق له ، فإن لاق له ، فاعلم أنه لا عقل له .. قد قيدتهم هنا ، وإن لم تستطع أن تفعل شيئا في مواضع كثيرة أخرى حين يتعلق الأمر بالخليفتين الأولين مثلا.
ولعل السبب في ذلك : أن معاوية وأبا سفيان وقريشا ، وإن كانت لهم مكانتهم في قلوبهم ، ويعزّون عليهم ، ولكن هناك مجال للتساهل في أمرهم ، والتغاضي عن بعض ما يرتبط بهم .. أما إذا كان الأمر يرتبط بأركان الخلافة ، وخصوصا الشيخين ، فلا بد من تعطيل كل العقول ، والقبول بكل حديث عن فضائلهم ، وقهر القلوب على محبتهم ، ومحاربة ، بل وقتل كل من يتوهم أنهم أخطأوا أو ظلموا ، أو اغتصبوا حق علي وبنت النبي عليهم الصلاة والسلام ، أو غير ذلك.