رجال بيض الوجوه ، فأقبلت عامدا إليه ، فصاحوا بي : إليك.
فأرعب فؤادي ، وأرعدت جوارحي.
قلت : هذا مثل يوم بدر ، إن الرجل لعلى حق ، وإنه لمعصوم ، وأدخل الله تعالى في قلبي الإسلام ، وغيّره عما كنت أهم به.
فما كان حلب ناقة حتى كرّ أصحاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كرّة صادقة ، وتنادت الأنصار بينها : الكرّة بعد الفرّة : يا للخزرج ، يا للخزرج ، فحطمونا حطاما ، فرقوا شملنا ، وتشتت أمرنا ، وهمة كل رجل نفسه ، فتنحيت في غبّرات الناس ، حتى هبطت بعض أودية أوطاس ، فكمنت في خمر شجرة لا يهتدي إليّ أحد إلا أن يدله الله تعالى عليّ ، فمكثت فيه أياما ، وما يفارقني الرعب مما رأيت.
ومضى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى الطائف ، فأقام ما أقام ، ثم رجع إلى الجعرانة.
فقلت : لو صرت إلى الجعرانة ، فقاربت رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ودخلت فيما دخل فيه المسلمون ، فما بقي ، فقد رأيت عبرا ، وقد ضرب الإسلام بجرانه ، ولم يبق أحد ، ودانت العرب والعجم لمحمد «صلىاللهعليهوآله» ، فعزّ محمد لنا عز ، وشرفه لنا شرف.
فو الله إني لعلى ما أنا عليه إن شعرت إلا برسول الله «صلىاللهعليهوآله» يلقاني بالجعرانة كنّة لكنّة ، فقال : «النضير»؟
قلت : «لبيك».
فقال : «هذا خير لك مما أردت يوم حنين ، مما حال الله بينك وبينه».
فأقبلت إليه سريعا.