ثانيا : إن الآيات حين نفت عن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أن يكون شاعرا ، فإنما أرادت أن تقول أمرين :
الأول : أن الشعر مما لا يليق بالأنبياء «عليهمالسلام» ، وقد نزه الله تعالى عنه نبيه الكريم «صلىاللهعليهوآله» ، رفعا لدرجته ، وتنزيها لساحته عن أن يكون ممن يزين المعاني الشعرية بالتخييلات الكاذبة ، والأوهام الباطلة.
الثاني : أن هذا القرآن لم يعتمد الطريقة الشعرية في بيان مقاصده. لكن ذلك لا يعني أن لا يصدر عن النبي «صلىاللهعليهوآله» كلام يتوافق مع وزن بيت ، أو شطر بيت من الشعر.
بيان ذلك : أن الشعر يقوم على أمرين :
أحدهما : اعتماد الأمور الخيالية ، والأوهام ، والتزيينات اللفظية والبديعية ، في عرضه للمعاني على القلوب والنفوس ، ودفعها للقبول بها.
الثاني : التزام الوزن بما له من موسيقى مثيرة ، وإيقاع مؤثر كأسلوب آخر من أساليب التسويق للمقاصد والمعاني ، التي يراد إبعادها عن مجال التأمل والتحليل العقلي ، فتلقى إلى القلوب والنفوس عبر المشاعر والإنفعالات فتتلقفها ، وتتفاعل معها من دون فكر وروية ، وبلا تدبر في الأبعاد ، والأسباب ، أو في الأهداف والنتائج.
أما إذا جاء الكلام موزونا ، ولكن من دون أن يكون للإيقاع والوزن أي تأثير في التسويق للمعنى ، ومن دون أن يعطل دور العقل في التأمل والتفكر ، والتحليل ، والتدبر ، ومن دون أن تمازج تلك المعاني خيالات أو أوهام. فإن هذا الكلام لا يكون مشمولا لما نزه الله نبيه عنه تجلية منه وتكريما له ، وتنزيها عنه.