وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضعفه الشديد ، وإفلاسه الأكيد ، من أي منطق صحيح وسليم.
ولو كان يملك حجة ومنطقا صحيحا ، فهو يكفي لإلزامهم بالأخذ برأيه ، ويفرض عليهم البخوع لحجته ..
والأشد غرابة هنا : أن لا نجد في تلك القبيلة الكبيرة بأسرها ، والتي هي بصدد اتخاذ قرار مصيري وحاسم ، يؤثر على مستقبلها ووجودها ـ لا نجد فيها ـ من يقول له : إن تهديدك بقتل نفسك لا يدل على صحة قراراتك ، إن لم يكن دليلا على ضعف حجتك ، وبوار منطقك ..
وإذا كان قرارك خاطئا فسينتج المصائب والبلايا ، والكوارث والرزايا ، على مئات أو ألوف من البشر ، لا يحق لك أن تتصرف بمصيرهم من دون روية ، وتدبر ، وحكمة وتبصر.
بل إنهم جميعا خضعوا لإرادته ، وأطاعوه حبا بالحفاظ على حياته ، ولم يفكروا بما يحفظ لهم حياتهم .. مع أن هذا الرجل هو مجرد شاب طامح ، لا يملك الكثير من الخبرة ، أو التجربة ، والحنكة ، ولا يشعر بالمسؤولية بالمستوى الذي يؤهله لإصدار قرارات بهذا القدر من الحساسية ، وبهذا المستوى من الخطورة. بل هو يستجيب لأحاسيسه ، وينقاد لمشاعره ، وأهوائه.
والأغرب من ذلك : أن هؤلاء الناس قد سمعوا حجة دريد بن الصمة على مالك بن عوف .. وكانت حجة قوية ، ومرضية ، وسمعوا أيضا جواب مالك عليها ، الذي كان مجرد إصرار على رأي ظهر خطؤه ، وقد صاحب إصراره هذا الضحك الإزدرائي وحفنة من الشتائم ، حيث اعتبره إنسانا قد كبر ، وكبر علمه ، فأصبح هرم الجسم والعلم والعقل .. فهو يتكلم بما ربما