فإن فرار المسلمين لم يكن عن جبن ، وإنما كان بسبب مفاجأة هوازن وثقيف لهم ، حيث شدوا عليهم شدة رجل واحد ، ورموهم بالسهام حتى ما تكاد تخطئ لهم رمية ، فاحتاجوا إلى السكينة ، فأنزلها الله تعالى عليهم ..
واحتاجها أيضا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، لأجل ما دخله من الحزن والإضطراب والأسف مما جرى على المسلمين ..
والدليل على أن جبنهم ليس هو السبب : أنهم رجعوا إلى ساحة القتال ، بمجرد سماعهم لنداء العباس.
ونقول :
إن ذلك لا يمكن قبوله .. وذلك لما يلي :
أولا : إن ظاهر الآيات من سورة التوبة هو : أنهم قد فروا جبنا وخوفا ، لأنهم اعتقدوا : أن كثرتهم تغني عنهم في ساحة القتال ، ولم يفكروا : بأن عليهم أن يرجعوا إلى الله ، ويعتمدوا عليه .. ولم يتذكروا ربهم الذي نصرهم في ثمانين موطنا.
ثانيا : إن الآيات المشار إليها إنما هي بصدد لومهم وتأنيبهم على فرارهم ، وتولية أدبارهم ، الأمر الذي يوجب لفاعله : أن يبوء بغضب من الله ـ كما دلت عليه الأية الشريفة : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١).
فتولية الأدبار المحرمة في الحرب توجب الغضب الإلهي ، سواء أكان بسبب الإضطراب الناشئ من المفاجأة ، أو بسبب الجبن ..
__________________
(١) الآية ١٦ من سورة الأنفال.