وأما قوله : ما أتيتنا فتحدثنا ، وجها النصب في (تحدثنا) جيدان ، وإن كان الفعل الأول ماضيا والجواب مستقبلا.
وأما الرفع فأحد وجهيه جيد ، والآخر ضعيف ، وقد أجازه سيبويه على ضعفه. فأما الوجه الجيد فعلى قولك : ما أتيتنا فحدثتنا ، فتنفي الإتيان والحديث ؛ والجيد في ذلك وحد الكلام أن تعطف الماضي على الماضي. وأما الوجه الضعيف فعلى قولك : ما أتيتنا فأنت تحدثنا الساعة ولكن الذي رفعه جملة على أن (ما) إذا وقع بعدها فعل يعرب ، لم يكن إلا مرفوعا ، فصار موضع الماضي موضع رفع ، فلذلك رفع المستقبل الذي بعده وهو في موضع (حدثتنا) ومعناه معنى : ما كنت تأتينا فتحدثنا ، والإتيان والحديث منفيان فيما مضى.
وقوله : ما تأتينا فتكلم إلا بالجميل. ولا تأتينا فتحدثنا إلا ازددنا فيك رغبة ، وكل ما كان من هذا النحو مما فيه حرف الاستثناء إذا نصبت فهو على وجه واحد من وجهي النصب بعد الجحد ، كأنك قلت :
ما تأتينا متكلما إلا بالجميل ، ولا تأتينا محدثا إلا ازددنا فيك رغبة.
وأما قوله : لا يسعني شيء فيعجز عنك ، فليس إلا وجه واحد ، كأنك قلت : لا يسعني شيء إلا لم يعجز عنك ، ولا يسعني شيء عاجزا عنك ؛ ولو حملته على الوجه الآخر من النصب فسد الكلام ، ولأن تقديره : لا يسعني شيء فكيف يعجز عنك ذلك الشيء ، ومن المحال أن كل ما لا يسعه لا يعجز عن المخاطب ؛ والرفع في الوجهين أيضا فاسد ؛ لأنه يؤول معناه إلى أنه لا يسعه شيء.
وأما : ما أنت منا فتحدثنا ، فلا يكون في ((فتحدثنا)) الرفع بالعطف على الأول. لأنه اسم تعطف الفعل عليه ، ولكن على الاستئناف ، وتقديره : فنحن نحدثك ، كما قدّر في البيت (نحن) :
فنرجّى ونكثر التأميلا (١)
وقوله : تأتينا فتحدثنا ، على تقدير : ألم تأتينا محدثا ؛ وكذلك كل موضع يدخل فيه حرف الاستفهام على حرف الجحد كان تقديره : على ما تأتينا محدثا ، ويجوز فيه ، وفيما جرى مجراه العطف على اللفظ على مذهب ثم كقولك : لا تمددها فتشققها ، وألم تأتنا فتحدثنا.
__________________
(١) عجز بيت سبق تخريجه.