ووجه نصبه على أنه حمل الآخر على الاسم كأنه أراد أن يقول : إن يكن إتيان فحديث أحدّثك.
فقال : إن يكن إتيان فحديث أحدّثك ، فلما قبح أن يرد الفعل على الاسم نوى (أن) لأن الفعل معها اسم.
وإنما كان الجزم الوجه ، لأنه إذا نصب كان المعنى معنى الجزم فيما أراده من الحديث ، فلما أراد ذلك كان يحمل على الذي عمل فيما يليه أولى ، وكرهوا أن يتخطوا به إلى باب آخر إذا كان يريد شيئا واحدا. وسألته عن قول زهير :
ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة |
|
فيثبتها في مستوى الأرض تزلق (١) |
فقال النصب هذا جيد لأنه أراد هاهنا من المعنى ما أراد في قوله :
ما تأتينا إلا لم تحدّثنا فكأنه قال : من لا يقدم إلا لم يثبت زلق.
ولا يكون أبدا إذا قلت : إن تأتني فأحدثك الفعل الآخر إلا رفعا ، وإنما منعه أن يكون مثل ما انتصب من المجزومين. أن هذا منقطع من الأول ، ألا ترى أنك إذا قلت : إن يكن إتيان فحديث أحدّثك ، فالحديث متصل بالأول شريك له ، وإذا قلت :
إن يكن إتيان فحديث ثم سكتّ وجعلته جوابا لم يشرك الأول ، وكان مرتفعا بالابتداء.
وتقول : إن تأتني آتك فأحدثك. هذا الوجه وإن شئت ابتدأت ، وكذلك (الواو ، وثمّ) ، وإن شئت نصبت بالواو والفاء ، كما نصبت ما كان بين المجزومين.
واعلم أن (ثمّ) لا تنصب بها كما تنصب بالواو والفاء ، ولم يجعلوها بمنزلة ما يضمر بعده (أن) وليس يدخلها من المعاني ما يدخل في الفاء ، وليس معناها معنى الواو ، ولكنها تشرك ، ويبتدأ بها.
واعلم أن (ثم) إذا أدخلت على الفعل الذي بين المجزومين لم يكن إلا جزما ، لأنه ليس مما ينصب ولا يحسن الابتداء به لأن ما قبله لم ينقطع ، وكذلك الفاء والواو ، وإذا لم ترد بهن النصب فإذا انقضى الكلام ثم جئت (بثم) ؛ فإن شئت جزمت وإن شئت رفعت ، وكذلك الفاء والواو ، قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ
__________________
(١) البيت في ديوانه ٢٥ ، الكتاب ٣ / ٨٩ ؛ المقتضب ٢ / ٢٣ ، ٦٧.