وعلى فرض واقعيّة الأمر هل أستحقُّ جفاء الناس وإهمالهم رغم حبّي لهم؟
ليتني أقفز فوق ذاتي وجوهري ودائرتي وأنأى بعيداً ، في زاوية ما ، عن كياني ووجودي لأستقرئ وأبحث واُراجع واُحلّل كي أحصل على النتائج التي تمنحني جواب كلّ الاستفهامات بشفّافيّة ووضوح.
ولا شكّ أنّ الإنسان ـ بتوفّر الأدوات والشروط الخاصّة ـ يستطيع فهم ذاته فهماً عميقاً ، فإذا ما فهم وعرف نفسه فقد عرف كلّ شيء وهانت عليه كلّ الآلام والصعاب وتفتّحت له آفاق المعرفة بأوسع أبوابها ، وما هذا الشعور المشار إليه أعلاه بمصاديقه ولوازمه ـ حقيقة كان أم وهماً ـ إلاّ مفردة سهلة لا يحتاج حلّها كثير مؤنة أو جهد حينما يعرف المرء نفسه.
لكنّي ضئيل المعرفة بنفسي ، أتخبّط بين أنانيّتي ورغباتي وشهواتي وظواهر دنياي وترافة عيشي واعتدادي بذاتي ، اُشرك بربّي كثيراً بعلم مني أوجهل ، بقصور أو تقصير ، أستهين بالصغائر .. مأساتي أنّي أعرف مواطن ضعفي ولا أجهد إلاّ قليلاً لتجاوزها وردم الخلل والنقص الحاصل منها ، وأتوانى في كسب مؤن الفلاح والخير رغم اطّلاعي الوافر بها.
ولا أرى أنّ اعترافي هذا سينقذني ممّا أنا عليه إن لم أفعل شيئاً يغيّر مجرى حياتي وتفكيري. أتوقّف عند قوله تعالى : (وَلْتَنْظُر نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَد) وقفةً جادّة ، بل وتهزّني كثيراً ، لكنّي مستلهمٌ آني ، لا تتجاوز به هذه المفاهيم المقدّسة حدود المشاعر والأحاسيس المنفعلة لحظات