الامتثال شيء والفوائد المترتّبة على الامتثال شيءٌ آخر ، فربّ شخص امتثل وصام الشهر الكريم ولمجرّد أداء الواجب والتكليف الشرعي وكفى ، ولكنّ الآخر صام أيضاً إلاّ أنّه استفاد من الشهر المبارك في ترويض النفس وتهذيبها وتربيتها وتقوية اُسس الإيمان فيها ، إنّه رفع في ذاته شأن الكرامة والعزّة الانسانيّة وخلق الإرداة الصلبة في مواجهة التحدّيات وتحقيق الطموحات ، وما طموح المؤمن إلاّ بلوغ مراتب الكمال وكشف الحقيقة النورانيّة والعودة إلى فطرة الله التي فطر الإنسان عليها ، لا تبديل لخلق الله.
إنّ تجربة الصيام الناجحة تمنح ثقة عالية بالنفس وتفتح آفاقاً نحو محاولات أكبر ، وهكذا الحال بالنسبة لسائر العبادات إن استثمرت استثماراً صحيحاً كاملاً.
لقد صدّقتُ إمكان تطبيق نظام غذائي صارم نسبيّاً عبر تصديقي إمكان صيام شهر رمضان ، وحينما مارست النظام الغذائي ممارسةً مستمرّة امتلكت إرادةً لم أشعر بها من قبل ، إنّها إرادة الصبر والتحمّل والمقاومة وعدم الخضوع والمساومة ، ممّا منح شخصيّتي قوةً وصلابةً استطعت بها تحقيق جملة أهداف طالما كانت أحلاماً يصعب حصولها على أرض الواقع ، وأصبحت أشعر بلذّة امتلاك التصميم والقرار والاختيار ، وما عدت أكترث كثيراً بالمغريات التي تصادر حرّيّتي واستقلالي وتبتزّ عزّتي وكرامتي ، فانفتحت أمامي فضاءات من التحوّل والتطوّر والنموّ على صعيد الفكر والثقافة والمعرفة التي ساعدتني كثيراً