إنّه مسلكٌ وعرٌ صعبٌ مرير يقتضي مقدّمات وشروطاً على ذات السنخيّة.
بعبارة اُخرى : إنّه منهج تهذيب النفس والتسلّح بمزايا العقل العملي المصطلح عليها «حالة الوعي» حيث يتّحد العلم والعالِم والمعلوم ، وحيث يتميّز الحسن عن القبيح تميّزاً إدراكيّاً ، ممّا يعني العثور على جواب لسؤال الحياة الكبير ، واستيعاب مفهوم التوحيد استيعاباً تكامليّاً ، والانتفاض والخروج والتمرّد على صفات وعوامل النفي كالشهوة والشهرة والقدرة والثروة .. إنّه الدين الذي يقود إلى الحقيقة ، حقيقة الإنسان بما له وعليه وما ينبغي وما لا ينبغي له.
إنّ «الوعي» المشار إليه ـ الحاصل بعد تحقّق شروطه ـ يعني التسليم والقبول الواعي الناشئ عن قناعة اشترك في تحصيلها العقل والحواس .. إنّها إغارة بصائريّة حسّيّة معرفيّة في ثنايا الذات استدعت بحثاً وتنقيباً واستقراءً ومراجعةً وتحليلاً ومقارنةً وحفراً واستنتاجاً .. إنّها حركة تمرّد على الخضوع والخنوع والكسل المنبعث عن التسليم بدين الآباء ، ففي كذا تسليم وإن كان «المسلَّم به» صحيحاً سليماً لكنّ «المسلِّم» يفتقد غالباً مقوّمات «الوعي» المعهود ، ممّا يمهّد للتزلزل والانحراف والضلال بفعل تحرّك عوامل النفي ـ الشهوة والشهرة والثروة والقدرة ـ تحرّكاً يبعد الذات الإنسانيّة عن فضاء التوحيد ; إذ لا علم ولا عالِم ولا معلوم ، فلا وعي ; وبذلك يفتقد مفهوم الغيب موضوعيّته في الذات ، فتنفتح آفاق الرفض والإلحاد على مصراعيها بعد انغلاق الروح ، تلك الروح التي تعقل وتحسّ وتتأمّل وتتدبّر ، فإذا ما أفلت هذه الروح