ووثيقة بالاُصول والثوابت ، فإنّه ـ بما يمتاز به من فكر معياري نسقي ـ متمكّن من تجاوز مختلف الإشكاليّات الزمانيّة والمكانيّة وما سواها.
الإنسان مركّب عقلي حسّي ، مادّي روحي .. اُولى نقاط الحركة فيه ووسائطها ومقاصدها تبدأ بالمصالح ، «فيمَ يرى صالحه وطالحه» رؤية تستخدم كلّ مكوّناته وتستنهض جميع قواه لأجل البلوغ .. ولكي يفهم الصالح والطالح ونيل المراد فإنّه يحفر في ذاته جدولاً ، يقارن فيه ويحلّل ويستقرئ ويفترض ويراجع ويحفر ويستنتج ، والاستنتاج السليم متوقّف أساساً على المقدّمات السليمة ، على الصدق مع الذات والواقعيّة في الفهم والتلقّي العقلي والشعوري ، ونعني بالاستنتاج السليم ألاّ يستوي يوماه فيغبن ذاته ، وغبن الذات أوّل ما يبدأ بغياب الجدول والمنهج والنسق المشار إليه ، فإذا ما افتقد النظم الفكري في ذاته افتقد كلّ شيء ، وكان التراجع سمته على الدوام.
إنّنا جميعاً نبدأ بطفولة وننشأ على رغبات وطموحات بحجم تلك الطفولة ، لكنّها تأخذ محتوىً وقالباً آخر كلّما بدأ الجدول المعهود فاعليّته على صفحات العقل ، وهذا الجدول بذاته يتغيّر محتواه بين الفينة والاُخرى تبعاً للتطوّر الحاصل ، أعني به الاستنتاج المترشّح عن تلك الأدوات والآليّات المعرفيّة المشار إليها ، لكنّه يبقى معنا باستمرار حيث يتغذّى على نتائج الفكر والحسّ ، التي تأخذ مكانها الموضوعي كلّ مرّة لتخضع كسالفها لعمليّات المراجعة والاستقراء والمقارنة ...